ورشة ترميم المخطوطات في غزة.. باحثات في مهمة حفظ التراث الفلسطيني
وكالة الناس – ورشة ترميم المخطوطات في غزة.. باحثات في مهمة حفظ التراث الفلسطيني
داخل غرفة صغيرة وبمعدات بسيطة للغاية تشبه إلى حد كبير تلك الأدوات التي يستعين بها الطبيب داخل أروقة المستشفيات، دأبت باحثات من غزة على العمل بجد لحفظ الموروث الثقافي والتاريخي الفلسطيني، ضمن مشروع “مجموعة عيون على التراث”.
وتنفذ المشروع مؤسسة “عيون على التراث” في غزة، حيث يشمل الكتب والمخطوطات والجرائد والمجلات والوثائق القديمة التي يعود بعضها إلى قرون سابقة.
وبمنتهى الدقة والإتقان، تحاول الفتيات اللاتي ينتمين إلى تخصصات متنوعة ومختلفة التعامل مع مجموعة كبيرة ونادرة من المخطوطات والكتب والسجلات والتاريخية، التي تآكلت على مر السنوات الطويلة نتيجة الترك والإهمال وغيرها من الأسباب، وذلك في سياق مشروع للترميم والصيانة الوقائية، بتمويل من المكتبة البريطانية ومتحف “هيل”.
ورشة المخطوطات
حنين السرساوي، واحدة من أفراد الطاقم المتخصص في الترميم ضمن المشروع، تصف طبيعة العمل ومراحله، وتقول لوكالة سند: “يقوم المشروع على ترميم المجلات والكتب والجرائد والوثائق والمخطوطات النادرة، ويمر المشروع بعدة مراحل، أولها الترميم أو الصيانة الوقائية حيث نقوم خلالها بالكشف عن المخطوط والوثائق والكتب وفحص جودة الورق ودرجة الحموضة فيه وثبات الحبر ونوعه إن كان كربونيا أو حديديا.
وتضيف: “يقوم طاقم الترميم بترقيم صفحات الكتاب والبدء بالتنظيف والصيانة الوقائية للصفحات باستخدام الأدوات ومنها الفراشي الناعمة والملقط الطبي والمقص الطبي وغيره وإسفنج الفينيل المخصص لتنظيف المخطوطات، وبعد الانتهاء من الترميم يتم تصدير الكتب والمخطوطات إلى قسم الأرشفة، وعندها تنتهي المرحلة الأولى ويبدأ عمل قسم الأرشفة”.
وتتابع السرساوي حديثها عن أهمية العمل الذي يقوم به فريقها: “الاهتمام الذي نوليه للوثائق والمخطوطات كبير للغاية، كونها السبيل الوحيد للحفاظ على ما أنتجه العقل العربي والإسلامي من إرث ضخم، حيث تعتبر المخطوطات والكتب من المجموعات النادرة، وتمتلك قيمة علمية بالغة الأهمية وتعد مصدرا من مصادر المعلومات الأولية، ومن هنا تأتي أهمية الحفاظ عليها”.
واستعرض طاقم العمل بعض المخطوطات والكتب والوثائق التي يعملون على ترميمها، وتحديدا تلك التي تعود للعهد العثماني حتى العام 1948، ومن بينها مخطوطات لعلماء ومشايخ من غزة برزوا في العهد العثماني مثل الشيخ أحمد بسيسو والشيخ عثمان الطباع والشيخ إبراهيم السقا، وتنوعت ما بين الأدب والتصوف والفقه والعقيدة والعديد من العلوم.
وكذلك استعرض الفريق أول رواية فلسطينية، وهي بعنوان “الوارث” للكاتب خليل بيدس، التي كتبت في العام 1920 أي قبل أكثر من 100 عام، وقد تمزقت أجزاء من أوراقها ويعمل الفريق على حفظها في بيئة مناسبة، لحمايتها من التلف والضياع.
وتستكمل دعاء دويمة، وهي أخصائية الأرشفة بالفريق حول مهمتها بالمشروع، وتقول لوكالة سند: “حصلت مؤسسة عيون على التراث على الإستوديو الأول من نوعه في قطاع غزة للأرشفة وبمعايير عالمية، لتصوير الكتب والمخطوطات النادرة في غزة، حيث نقوم بعد عملية الترميم بتفقد الكتاب من الثقوب والتمزق، ونقوم بتصوير الكتب بمعايير عالمية تم تدريبنا عليها من قبل مدرب معتمد من المكتبة البريطانية ومتحف هيل”.
وتتابع: “بعد الانتهاء من التصوير نرفع الكتب على موقع المكتبة البريطانية والمتحف ليكون متاحا للدارسين حول العالم لرفع النسخة الورقية، ولكي لا تتعرض للمس نضعها في صناديق كرتونية خالية من الحمض، ثم نضعها في الخزانة الحديدية ونرفعها عن الأيدي”.
تراث ثقافي
وتستطرد حنين العمصي، المدير التنفيذي لمؤسسة “عيون على التراث” في وصف وتحليل عمل الفريق وأهدافه المستقبلية وتقول: “فريق عيون على التراث يتشكل من 9 باحثات منهن من يحملن درجة دكتوراه وماجستير وبكالوريوس بتخصصات مختلفة، تم تدريبهن على الترميم والأرشفة الرقمية وفق معايير دولية تم الاتفاق عليها، وكذلك الترميم وفق آليات عالمية، حيث يتم ترميم المخطوطات في غزة كما يتم ترميم أي مخطوطة حول العالم”.
وحول طموح المؤسسة في المستقبل تحدثت العمصي: “تطمح المؤسسة في الحصول على مشاريع أخرى تعنى بالتراث الثقافي من خلال دعمها بمعدات وأجهزة لترميم وتجهيز المخطوطات النادرة، وجميعها تحتاج لأغلفة من الجلد الطبيعي وترميمها بشكل آلي”.
وسردت العمصي أبرز المعيقات التي يواجهها المشروع وقالت: “كما هو معروف غزة مدينة محاصرة ولذلك لا تتوفر المواد المتخصصة لترميم المخطوطات ونضطر للانتظار لأشهر طويلة لتوفير المعدات اللازمة لترميم وأرشفة المخطوطات، إضافة إلى أن عملية الترميم صعبة ودقيقة ويحتاج الطاقم تقريبا 7 أو 8 ساعات لإنجاز مخطوطة واحدة، فهي بمثابة عملية جراحية دقيقة لإعادة الروح للمخطوطات.
وفي ختام حديثها وجهت العمصي رسالة تتمنى أن تصل إلى قلب كل فلسطيني للحفاظ على الموروث، تقول فيها: “أوجه رسالتي لكل إنسان فلسطيني، في داخل بيته وبالأحرى تحت وسادة جده أو جدته هناك وثيقة، سواء عملات أو ورقة تسجيل أو أي شيء آخر وفي كل القرى الفلسطينية بالشرق والغرب والشمال والجنوب، لا بد أن نحافظ عليها ولا ننظر إليها كوثيقة بالية، بل هي وثيقة أصيلة وهي حاوية للذاكرة الفلسطينية الرقمية لكل إنسان فلسطيني على مدار التاريخ”.