الضفة الغربية بعد معركة وراثة الرئاسة
القراءات الاستراتيجية حول الوضع في الضفة الغربية، تؤشر على مخاطر كبيرة، وفقا لمستويين الاول خلال وجود الرئيس الحالي للسلطة، والثاني بعد رحيل الرئيس الحالي في اي وقت.
هذه القراءات لا تتحدث فقط عن سيطرة الرئيس على مقاليد الامور، بل عن الوضع بشكل عام في القدس والضفة الغربية، اي البيئة العامة لحياة الفلسطينيين، ومنسوب التوتر والمواجهات داخل القدس والضفة الغربية، قياسا على وجود سلطة مستقرة جزئيا، ثم قياسا على مرحلة قد لا تكون فيها السلطة مستقرة، ومفتوحة على كل الاحتمالات عند نشوب معركة وراثة الرئاسة.
لو اخذنا عينة عشوائية فقط من المواجهات التي تزداد حدتها، لاكتشفنا ان الوضع بدأ بالاختلاف جذريا، ويد السلطة التي كانت تسيطر ضعفت الى حد كبير، بمعنى انها لم تعد شريكا امنيا للاسرائيليين بالمعنى المتعارف عليه، اذ من مهاجمة مخيم جنين وضربات الفشل التي تنزلت على الاسرائيليين، مرورا بعملية مستوطنة عيلي، ثم مهاجمة فلسطينيين لموقع عسكري شرقي رام الله في الضفة الغربية المحتلة بدون وقوع إصابات، ثم جنون الاسرائيليين يوم امس ومهاجمة قرى تُرمسعيا وبيت فوريك وعورتا، إضافة إلى حوارة واللُبَّن الشرقية والساوية وزعترة وياسوف ودير شرف وحرق السيارات والبيوت والاراضي وقتل وجرح فلسطينيين، ومهاجمة قرية عوريف في نابلس، وفي التوقيت ذاته اقتحام بحماية المخابرات الاسرائيلية للمسجد الاقصى، وهو الاقتحام اليومي، الذي بات تقليدا صباحيا ومسائيا في القدس.
كل هذا يجري من ناحية تحليلية في ظل وجود السلطة الشريك الامني لاسرائيل، وهذا يعني ان سيطرتها ضعفت الى حد بعيد، بوجود الرئاسة الحالية، اضافة الى ان هذه التداعيات مستمرة، ولن يكون غريبا حدوث مواجهات جديدة، خلال الايام المقبلة، وصولا الى الحرم القدسي ذاته التي لا تضمن اسرائيل اصلا، حتى الان، وقوع عمليات داخله، ضد الاسرائيليين الذين يقتحمونه يوميا وهذا امر متوقع، في اي لحظة، قياسا على حالات كثيرة وقعت في فلسطين.
الوضع في مجمل الضفة الغربية يغلي، اذ ان الوضع الاقتصادي سيء، والسيطرة الامنية للسلطة تضعف، وشعبيتها تراجعت الى حد كبير، بما يجعلنا نسأل عن امرين هنا، اولا الخط البياني لهذا الوضع والى اين يتجه، وثانيا وضع القدس والضفة في حال رحيل رئيس السلطة حيث معركة الوراثة، على ارث هش وضعيف ومقسم يعاني حاليا من ازمات ومشاكل.
اسرائيل تهيء البيئة بشكل عام، متعمدة او غير متعمدة، لمرحلة خطيرة، اي سقوط كل السلطة، كنتيجة لهذه الممارسات، خصوصا، ان معركة الوراثة ستؤدي الى خلافات واسعة بين اجنحة السلطة العتيدة، برغم ان اسرائيل تعتقد ان الوريث هو قرار اسرائيلي بحت، بتوافق اميركي وعربي، لكن الممارسات الاسرائيلي التي جوفت السلطة من الداخل، مثل زير الماء الفارغ، ستؤدي الى انتاج هيكل ضعيف جدا، لن يكون قادرا على الاستمرار من حيث النتيجة مع اقامة المستوطنات وسرقة ارض الضفة الغربية، وانتهاء حل الدولتين، واستحالة حل الدولة الواحدة، ولن يكون قادرا ابدا على احكام سيطرته الامنية على الفلسطينيين، ولو جزئيا.
برغم ان محللين يعتقدون ان وريث الرئيس قد يكون شخصية امنية، في ظل المعلومات عن وجود تسابق على تشبيك العلاقات سرا مع الاسرائيليين من جانب بعض الاسماء داخل السلطة، الا انه يمكن القول ان دفن السلطة، يجري منذ هذه الايام، امام الخط التصاعدي من جهة، وسوء سمعة السلطة ايضا، وانتهاء كل المشروع الفلسطيني، والنتيجة استحالة الاستقرار في الضفة الغربية في مرحلة ما بعد الرئيس، بما يعني مرحلة جديدة كليا تؤثر على الفلسطينيين، وعلى دول جوار فلسطين، وتفتح الباب لكل السيناريوهات المحتملة.
هنا علينا ان نسأل اذا ما كانت اسرائيل تتعمد دفن السلطة تدريجيا، وانهاء دورها الوظيفي لصالح مخطط جديد، ام ان السياسات الاسرائيلية ستؤدي الى ذلك رغما عن الجميع، والسؤال هنا يخدش ويجرح كل الصياغات الرسمية الفلسطينية والعربية التي ما تزال تراهن على سلطة اوسلو باعتبارها هيكلا قابل للاستمرار، او التحول الى دولة، او حتى الوقوف في وجه اسرائيل.
ما يجري في الضفة الغربية، تحديدا، يعني ان السلطة فقدت السيطرة، وان على اسرائيل ان تتوقع كل شيء من الشعب الفلسطيني ولنتصور معا كيف ستصبح الاحوال بعد رحيل الرئيس، والى اي حد سيصل منسوب فقدان السيطرة على الفلسطينيين؟!.
(الغد)