الذكاء الاصطناعي يساعد العلماء في الوصول إلى مضاد حيوي “لبكتيريا العراق” المقاومة للأدوية
وكالة الناس – أحدث دخول الذكاء الاصطناعي إلى مجال البحث العلمي أثرا عظيما، لا سيما في مجالات الأحياء والطب، حيث كان تأثيره ثوريا، فقد غير الذكاء الاصطناعي طرق وآليات تحليل البيانات وتفسيرها، ومن ثم مكّن العلماء من التعامل بسهولة مع كميات هائلة من البيانات البيولوجية والطبية المعقدة.
ففي مجال الأحياء، تمكنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي من تحليل التسلسلات الوراثية، والكشف عن الأنماط المتكررة والمنتشرة، وتوقع الشكل الفراغي الثلاثي الأبعاد للبروتينات، كما لعب الذكاء الاصطناعي دورا حاسما في تطوير الأدوية، فساعد الباحثين على تحديد أهداف العقاقير المحتملة وتحسين المركبات الدوائية، وتسريع اكتشاف العلاجات الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك، أدى البحث القائم على الذكاء الاصطناعي ومنصات تبادل البيانات إلى تسهيل تبادل المعرفة وتسريع الاكتشافات العلمية.
بكتيريا العراق تثير الرعب
من المشكلات التي وقف الطب والبحث العلمي عاجزين أمامها هي البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية والأدوية. ويمثل هذا السيناريو (سيناريو ظهور بكتيريا مُمْرضة تقاوم جميع المضادات الحيوية المعرفة) سيناريو مرعبا للعاملين في المجال الصحي بشكل عام، وللمهتمين بالأمراض المعدية والوبائية بشكل خاص، ويرجع السبب في ذلك إلى أن ظهور واحدة منها قد يؤدي إلى وباء جديد نقف أمامه عاجزين من دون خط دفاعنا الأساسي ضد البكتيريا وهو المضادات الحيوية.
ومن أمثلة هده البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية بكتيريا تسمى البكتيريا “الراكدة البومانية” (Acinetobacter Baumannii)، وهي بكتيريا معدية تسبب الإصابة بالالتهاب الرئوي والالتهاب السحائي وعدوى الدم وعدوى المسالك البولية كما تتسبب في تلويث الجروح وخاصة في الحروب، وقد وجدت بكثرة في جروح الجنود في كل من العراق وأفغانستان حتى أصبحت تعرف “ببكتيريا العراق”.
والشيء الخاص الذي تشتهر به بكتيريا العراق أنها منتشرة في المستشفيات والمرافق الصحية وذلك مما أسهم في تعريضها لمختلف المضادات الحيوية على مدار فترات طويلة، حتى أصبحت لديها مقاومة لجميع المضادات الحيوية المعروفة وأصبح من المرعب اكتشاف إصابة جديدة بها خاصة لدى المرضى الذين يعانون من ضعف في المناعة، مما يجعل علاج العدوى الناجمة عن هذه البكتيريا صعبا، بل يجعلها قاتلة في بعض الأحيان.
ومما يزيد الأمر تعقيدا قدرة هذه البكتيريا على البقاء في البيئة، والبقاء على الأسطح مدة طويلة، وذلك يسهم في انتشارها ويجعلها تحديا كبيرا في إجراءات مكافحة العدوى، ويمكن أن تؤدي العدوى الناجمة عنها إلى إطالة مدة البقاء في المستشفى وزيادة تكاليف الرعاية الصحية ومعدلات الوفيات المرتفعة، خاصة في حالة المرضى من ذوي الحالات الحرجة أو أصحاب المناعة المنخفضة.
الذكاء الاصطناعي يسهم في إيجاد الحل
وفي المدة الأخيرة استطاعت مجموعة بحثية مكونة من باحثين من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا (MIT) الأميركيين بالتعاون مع مجموعة بحثية من جامعة “ماكماستر” الكندية استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي في إيجاد مضاد حيوي فعال في مقاومة بكتيريا العراق، وقد نشرت نتائج بحثهم في دورية “نيتشر كيميكال بيولوجي” (Nature Chemical Biology) المتخصصة في مجال الكيمياء الحيوية.
وللوصول إلى هذه النتيجة بنى الباحثون قائمة بها نحو 7 آلاف دواء ومضاد حيوي، ثم كوّنوا قاعدة بيانات شملتها جميعا بما في ذلك العديد من خواصها الكيميائية، ثم قام العلماء بعد ذلك باستخدام نموذج حاسوبي من نماذج الذكاء الاصطناعي لتقييم كل منها واستنتاج أيها يمكن أن يثبط نمو هذه البكتيريا.
تم ذلك عن طريق قيام الباحثين بتدريب نموذجهم الحاسوبي، أولا بتغذيته ببيانات أكثر من 7500 مركب من المركبات الكيميائية المختلفة تمت معاملة البكتيريا بها معمليا لمعرفة أي منها يمكن أن يعيق نمو هذه الكائنات الدقيقة. ثم أدخلوا التركيب الكيميائي لكل منها في النموذج، كما قاموا بتغذية النموذج ببيانات تفيد إذا كان كل مركب منها قادرا على تثبيط نمو البكتيريا أم لا، وهذا ما سمح للخوارزمية بتعلم السمات الكيميائية المرتبطة بتثبيط النمو.
ليست المحاولة الأولى
البحث الحالي بني علي أساس قوي وهو بحث سابق للمجموعة ذاتها إذ استطاعت فيه استخدام نسخة سابقة من النموذج نفسه للبحث عن دواء جديد لعلاج بكتيريا “إي كولاي” الشهيرة، حيث كانت قاعدة البيانات في المرة السابقة تشمل أكثر من مليون دواء ومركب كيميائي. استطاع النموذج التنبؤ بأن أحدهم (أطلق عليه فيما بعد اسم هاليسين) يستطيع قتل بكتيريا “إي كولاي”، وفيما بعد وجد أن هاليسين فعال أيضا مع العديد من أنواع البكتيريا الأخرى.
أما في البحث الجديد، فقد قام الباحثون بتدريب النموذج باستخدام قاعدة البيانات السابق ذكرها ثم استخدام النموذج لتحليل مجموعة مؤلفة من 6680 مركبا كيميائيا ودوائيا لم يرها النموذج من قبل، وأسفر هذا التحليل الذي استغرق أقل من ساعتين عن العديد من النتائج الرائدة. ومن بين هذه النتائج، اختار الباحثون 240 مركبا لاختبارها تجريبيا في المختبر، مع التركيز على المركبات التي تتمتع بتركيب كيميائي يختلف عن تلك الموجودة في المضادات الحيوية الموجودة حاليا أو المواد الكيميائية الموجودة في بيانات التدريب.
وأفضت هذه الاختبارات إلى اكتشاف 9 مضادات حيوية، منها واحد كان قويا جدا في تثبيطه لنمو تلك البكتيريا. وتبين أن هذا المركب، الذي كان في الأصل دواء محتملا لمرض السكري، فعال للغاية في قتل “بكتيريا العراق”، ولكنه لا يؤثر على أنواع أخرى من البكتيريا.
وتشير هذه النتائج إلى مستقبل واعد لعلم الأدوية عند التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في إعادة تقييم عشرات الآلاف من الأدوية والمركبات الحاصلة علي موافقة هيئة الأغذية والدواء الأميركية، والتي تعد منجما للبحث عن علاجات لكثير من الأمراض، لكن كان حجم البيانات وتنوع التطبيقات يمثلان تحديات كبيرة.