أطواق العزلة تشتد حول دمشق
قبضة العزلة السياسية تشتد حول عنق النظام السوري..نتائج قمة الدوحة جاءت بمثابة انتصار مدوٍ لأشد العواصم العربية والإقليمية عداءً لنظام الرئيس الأسد..معاذ الخطيب جلس في مقعد بشار الأسد، وغسان هيتو حل محل الدكتور وائل حلقي، فيما غاب عن خلفية المشهد الوزير المخضرم وليد المعلم لتحل محله السيدة سهير الأتاسي.
نجحت قطر مدعومة من قطبين بارزين من أقطاب النظام العربي، عن رغبة كما في حال (مصر – مرسي) أو مضض كما في الحالة السعودية..هُزم العراق والجزائر الدولتان الوازنتان في منظومة العمل العربي المشترك، وابتلع الأردن والإمارات وعُمان والسودان القرارات والنتائج بصعوبة بالغة، وعاد لبنان لـ”دوزنة” سياسة “النأي بالنفس، بعد أن عزف وزير خارجيته لحناً نشازاً في اجتماع سابق لوزراء الخارجية العرب.
قمة الدوحة ليست سوى بداية مطاف..المعركة المقبلة ستمتد على ساحة المنظمات الدولية، وفي صدارتها الأمم المتحدة، لكن النتائج هناك، قد لا تأتي كما تشتهي سفن بعض الاطراف العربية، فيما “الفيتو المزدوج” الروسي الصيني، سيقف بالمرصاد لأية محاولة لإعادة انتاج سيناريو الدوحة، لكن ذلك لن يقلل من شأن الضربة التي وجهتها قطر للأسد، فقد كانت موجعة للغاية بلا شك.
وزاد طين النظام السوري بلّةً، أن “انتصار الدوحة” يأتي بعد أيام قلائل من تعرض النظام لخسارتين سياسيتين تكتيكيتين: الأولى على جبهته الشمالية، عندما نجحت أنقرة في سحب الورقة الكردية من يد حاكم دمشق، بتوصلها إلى اتفاق إطار مع عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني، ستكون لها تداعياته على مواقف الأكراد من الأزمة السورية، كما أشرنا لذلك في مقال سابق..والثانية، عندما تخلى رئيس الحكومة اللبنانية عن حلفائه، حلفاء دمشق، من حزب الله إلى حركة أمل، مروراً بالتيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشيل عون..ما جعل أنصار سوريا في لبنان، إلى مواقع الدفاع وصد اللكمات، بعد “انكشاف ستر الأغلبية” التي تمتعوا بها، وانتقال كتلة الوسط (ميقاتي – جنبلاط) إلى مواقع أقرب لتيار الرابع عشر من آذار.
ولا ندري بعد، ما الأثر الذي ستحدثه زيارة جون كيري الخاطفة لبغداد، والتي جاءت من خارج جدول الأعمال المعلن لجولته الشرق أوسطية، التي قيل بشأن أهداف المحطة العراقية منها، أنها تكاد تنحصر في مهمة واحدة: تقطيع شريان الدعم العراقي – الإيراني لنظام الأسد، ودفع المالكي وحكومته، تحت الضغط والتهديد، للانتقال إلى الضفة الأخرى للصراع في سوريا وعليها.
تتزامن هذه التطورات السياسية المتسارعة، مع تسارع وتيرة تسليح المعارضة السورية، ورفع مستوى وسوية التعاون الاستخباري الغربي مع بعض تياراتها، بدلالة ما نشرته صحف أمريكية عن صفقات سلاح غير مسبوقة، وعن استعداد المخابرات المركزية الأمريكية لتقديم المعلومات إلى جماعات سورية معارضة (غير متشددة)، وفقاً للرواية الأمريكية، وهو ما انعكس تحسناً ملحوظاً في أداء المقاتلين، على جبهات عدة، خصوصاً في دمشق ودرعا وريفيهما، فضلا عن مناطق الشمال والشمال الشرقي.
لكن ذلك لا يعني أن الحرب في سوريا وعليها، قد وضعت أوزارها بعد، أو أنها على وشك أن تفعل ذلك..فالنظام الذي يخسر سياسياً، ما زالت لديه أوراق قوة لا يستهان بها..فنصف الدول العربية على الأقل، ما زالت ترفض المقاربة السعودية – القطرية للملف السوري (وبخاصة المقاربة القطرية)، وهذه الدول ما زالت تحتفظ بعلاقات دبلوماسية وسفارات مفتوحة في دمشق، فيما مجموعة “بريكس” المُجتمعة في “دربان” تقارب الملف السوري، بصورة من شأنها كبح جماح الاندفاعة الفرنسية – البريطانية المدعومة أمريكياً، ضد نظام دمشق.
كما أن الأطلسي، ومن خلفه ما يُسمى بـ”المجتمع الدولي” ما زال على رفضه التدخل العسكري المباشر، حيث جاء الرد على طلب الشيخ معاذ الخطيب نشر مظلة “الباتريوت” لتشمل شمال سوريا، من واشنطن، وجاء سريعاً وحازماً، بخلاف التسريبات التي صدرت مؤخراً عن استعدادات يجريها الناتو للتدخل في سوريا.
أما عن وفاء حلفاء النظام التقليديين له (روسيا وإيران وحزب الله)، فما زال على حاله، بل هو مرشح للتصاعد والتصعيد، في ظل دخول الأزمة السورية على خط “اللعب على المكشوف” ومرحلة “تكسير العظام” و”مكاسرة الإرادات”..ويجد هؤلاء الحلفاء في تماسك النظام وجهازه الأمني والعسكري والمدني، سنداً وتشجيعاً لهم على المضي في رهانهم على كسب المعركة، أو أقله منع السقوط في أوحال الهزيمة.
ولعل الورقة الأهم التي ما زال النظام يعوّل عليها، هي تشتت المعارضة وتشظيها..وبطريقة تجعل من الصعب التعامل مع أي من أطرها بالجدية الكاملة، فرئيس وفد المعارضة إلى قمة الدوحة، في حكم المستقيل، وهو في موقع “تصريف الأعمال”، أما رئيس حكومته، فقد أثار اختياره المزيد من الانقسام في صفوف المعارضة بدل أن يكون سبباً في توحدها، فضلاً عن الخلافات التي أثارها هذا الاختيار بين بعضٍ من داعمي المعارضة الأساسيين كالسعودية وقطر على سبيل المثال، لا الحصر.
أياً يكن من أمر، فإن اتجاهات تطور الأزمة السورية، لا تبدو “مُبشرة” من وجهة نظر النظام وداعميه، ما لم نشهد في الأيام والأسابيع القادمة، نوعاً من “الهجوم المضاد” على الجبهات العسكرية والسياسية كما هو متوقع، فالأزمة السورية انفتحت على جولات متكررة من الكر والفر، وهي مرشحة للاستطالة بأكثر مما ينبغي، وقد يكون توسيع جغرافيا المعارك والمواجهات لتشمل ساحات مجاورة، هو الطريق الإجباري المتبقي أمام النظام وحلفائه، لخلط الأوراق وبلوغ “حافة الهاوية”، باعتبار أن خيار هدم المعبد، أو ما يُسمى بـ”خيار شمشون”، ما زال مطروحاً على طاولة هؤلاء.