«توجُّساتٌ» غير صحيحة!
غير صحيح وعلى الإطلاق أن موقف الأردن «المُتريِّث» تجاه ما يجري في سوريا سببه الخوف من إستلام الحكم ،بعد سقوط أو إسقاط بشار الأسد، من قبل الإخوان المسلمين وعلى غرار ما حدث في مصر وفي تونس وهذا ما دأب «الإخوان» هنا يروجون له ومعهم «أعوان» و»أبواق» النظام السوري الذين لم يصدق إلاَّ هُمْ وحدهم هذه الكذبة التي بقي الأميركيون يروجون لها لتبرير ميوعة مواقفهم تجاه المعارضة السورية وهي كذبة «جبهة النصرة» و»القاعدة» والجماعات الإسلامية المتطرفة.
ولعل ما يجب أنْ يقال في هذا المجال أن «إخوان» سوريا ،الذين هم أصحاب تجربة مريرة يختلفون عن غيرهم ممَّنْ ينتمون لهذه «الجماعة» في أنهم قد بادروا مع بداية إنطلاق شرارة الثورة السورية المتصاعدة ،لطمأنة الشعب السوري وطمأنة شركائهم في هذه الثورة، لإعلان «عهد وميثاق» أكدوا فيه إلتزامهم بدولة ديموقراطية تعددية وتداولية تقوم على دستور مدني منبثق عن إرادة شعبية وقائم على توافقية وطنية يتساوى فيه الرجال والنساء وتتمتع على أساسه المرأة بحقوقها كاملة.
إن هذا ما ألزم «إخوان» سوريا أنفسهم به منذ الخطوة الأولى وحقيقة أنه لابدَّ من الإطمئنان لهم رغم أنهم ،متأثرين ببعض التجاذبات والإستقطابات العربية تجاه فصائل وقوى المعارضة السورية، قد إرتكبوا خطأً يرتقي إلى مستوى الخطيئة عندما فرضوا أنفسهم فرضاً على الذين من المفترض أنهم شركاءهم في هذه الثورة التي هي جوهرة ثورات الربيع العربي وإختاروا أحد أعضاء حزبهم ،الذي هو غسان هيتو، رئيساً للحكومة المؤقتة بدون التفاهم والإتفاق والتوافق مع هؤلاء الشركاء وبمسرحية إنتخابية رديئة مثيرة للضحك حتى الإستلقاء على الظهر.
وبهذا فإن موقف الأردن «المتريث» تجاه ما يجري في سوريا له أسباب موجبة كثيرة ليس من بينها الخوف من أن يقع هذا البلد لا في قبضة الإخوان ولا في قبضة «النُّصرة» وأيضاً ولا في قبضة غيرهم ممَّن يعتبرون من التيارات الإسلامية المتطرفة فهذا البلد بقي عرضة لتصدير الإنقلابات العسكرية إليه وبقي عرضة للإختراق الأمني والسياسي لكنه واجه كل هذا بتماسكه الداخلي وبقدرته على الصمود في وجه تحديات أصعب معادلات هذه المنطقة.
لقد كانت سنوات خمسينات القرن الماضي إختبار صعب بالنسبة لهذا البلد الذي قدره أن يكون موقعه الجغرافي هو هذا الموقع وأنْ تكون موارده هي هذه الموارد الشحيحة والذي قدره أيضاً أنه يتحمَّل العبء الأكبر من المصائب التي حلَّت بأشقائه إنْ في الغرب وإن في الشرق وإن في الشمال وأن يبقى مستهدفاً بتماسكه ووحدة شعبه وبالأدوار التي بقي يلعبها إنْ على صعيد الإقليم ومشاكله وإشكالاته وإنْ على صعيد السياسات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وكل القضايا العربية الكبرى والرئيسية.
ربما أن هذه الأجيال الشابة لا تعرف كم أن هذا البلد قد تعرض لتحديات بالغة الخطورة في بقائه ككيان وفي إستمراره كدولة ففي العام 1958 ،بعد إنجاز الوحدة المصرية-السورية وبعدما تعززت تطلعات الرئيس جمال عبد الناصر التمددية في أعقاب إطاحة النظام الملكي في العراق، حيث واجه الأردن محاولات جادة وخطرة لتصدير عدوى الإنقلابات العسكرية إليه لكنه صمد صمود الجبابرة وإستطاع أن يواجه كل تحديات تلك المرحلة الخطيرة والمرحلة التي سبقتها بتماسكه الداخلي وبإتساع أفق قيادته وتسامحها وقدرتها على التعامل الصحيح مع معادلات ذلك الحين الإقليمية والدولية.
ولذلك فإنه لاصحة إطلاقاً لكل ما يقال عن أن موقف الأردن «المتريث» تجاه ما يجري في سوريا سببه الخوف من سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم في هذا البلد الشقيق المجاور فمثل هذه السيطرة غير واردة أولاً لأنه من غير الممكن أن يقبل الشعب السوري بعد كل هذه العذابات والويلات بإستبدال ديكتاتورية حزبية قديمة بديكتاتورية حزبية جديدة وثانياً لأن هذا البلد وضع أقدامه على طريق الإصلاح حتى قبل أن «يلمع» برق ثورات الربيع هذه وثالثاً لأن شعبه متماسكاً وموحداً ورابعاً لأن نظامه سمحاً ومتسامحاً وبادر إلى المباشرة بالتحولات التحديثية منذ العام 1989.