زلال سياسي
قبل أسابيع ، حللت ضيفاً على محاضرة ، وبعد أن فرغت من قراءة بعض المقالات التي تتحدث عن الفساد والفاسدين وحقوق الناس وثروات البلد وعرضت بعض الفيديوهات التي تتكلم عن عدم تكافؤ الفرص وبيع المؤسسات الرابحة وارتفاع المديونية والتبعية العمياء لصندوق النقد الدولي …وقف شاب وسط الحضور ..ثم سألني سؤالاً مقتضباً ..أنت أنت..شو بدك؟؟… أحسست للوهلة الأولى من سؤال الشاب أني أحمل «جلن مازولا» وأقف باب بيتهم بلحية خشنة وأسنان مقلوعة أطلب منه ما تجود نفسه من «زيت السنة»…لكني تداركت معنى السؤال القصير المباشر وعرفت كم هو مؤلم ومرعب ويحمل حرارة الخوف من القادم ..
قلت له ببساطة : أريد أن أعيش !!..أمنيتي أن أصحو على وطن نظيف ليس فيه القوي يأكل الضعيف، أريد أن أصحو على وطن خال من السرّاق واللصوص والسماسرة والمنافقين والمزوّقين والمصفقين ، أحلم بوطن يكون فيه ابن الحراث وزيراً ،وابن الوزير حرّاثا…احلم بوطن مثل سويسرا ،يسوده القانون والتساوي والعدالة والمحاسبة والنزاهة ،أحلم بوطن نبحث فيه عن الفقير بشق الأنفس ولا نجده ، احلم بوطن تكون فيه حاويات القمامة للقمامة لا طبق عشاء للمعدمين ، أحلم بمسؤولين يحملون درجة «خدّام» للشعب ، أحلم بمؤسسات ومستشفيات ومدارس وأموال وثروات الدولة ان تكون ملكاً للشعب ..أحلم بسويسرا جديدة لكن بملامح بدوية هذه المرة ، ترى لم لا نكون سويسرا..لم يجب ان تبقى سويسرا الحلم المتفرّد…!!
أحلم الا أكتب عن الفساد يوماً، احلم ان أتقاعد باكراً لأتفرغ لكتابة الرسائل للعشاق والمراهقين،وسماع وردة الجزائرية ، احلم أن العب طاولة الزهر والطرنيب مع معارضين يشكون البطالة لاستقامة أمر الدولة ، أحلم أن أخرج من مقهى وادخل في مقهى لفرط الترف والفراغ بعد أن اطمئن أن وطني كله كله بخير..أحلم أن أرتدي دشداشة رمادية ، وشماغاً مهدباً وعقالاً ونظارات سميكة وانتظر آخر الشهر لأسحب راتب الجريدة من «ATM» ككل متقاعدي الدولة…احلم أن أصلّي الأوقات الخمسة جماعة في المسجد وأحضر كيساً من الجرجير والسبانخ والكلمنيتنا – من «بكم»يبيع خضاره بأسعار زهيدة – ككل الآباء الصالحين …أتمنى أن أنام بعد العشاء مباشرة ، بعد أن أغلق باب الدار عليّ «ثلاث طقات» متأكداً أن جميع أولادي حولي…ووطني في قلبي…
أحلم..ان يتعافى هذا الوطن…لأشفى من اوجاعي…وارمي بعيدا بعيداً كل كبسولات «الضغط الاقتصادي والزلال السياسي» ..