عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

“ذيل الكلب عمره ما ينعدل “،من شَبّ على شيء شاب عليه

د. يوسف العجلوني

الحياة لا تتوقف ، إنما تتجدد دائماً ، كل شيء فيها يتغير ويتبدل ، البشر يُولدون ويموتون ، أجيال تسير وتاريخ يُسجّل ، والأيام سريعة ، ولا يبقى سوى الذكر الطيب ، والسيرة الحسنة ومواقف الخير والرجولة.

أحد الملوك في العهد القديم تحاور مع مستشاره ، وأصرّ الملك على أن يعفو عفواً شاملاً عن رجل يشتكيه الناس كثيراً بسوء سلوكه وإزعاج الناس ، وهدف الملك كان حتى يهتدي ويصبح فرداً سوياً صالحاً فى المجتمع ، ولكن مرت خمس سنوات ولم ينعدل، بل كثرت أخطاؤه ومشاكله ، وبعد ضياع الكثير ، رجع الملك وأصدر للرجل عقابه المستحق ، وأصبح ما قاله مستشار الملك “ذيل الكلب عمره ما ينعدل” مثلاً يُضرب حتى يومنا هذا ، وذلك يعني أنه لا داعي لتأخير العقاب ولا الإنتظار في ضياع الحقوق ويجب إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب دون تردد أو تأخير.

“ذيل الكلب عمره ما ينعدل” هو مَثَلٌ ينطبق على بعض البشر الذين نشأوا على عادات سيئة وأخذوا يعتقدون أن ذلك حرية ، أو أنهم ينتقمون من المجتمع ، أو يشعرون أنهم يدافعون عن حقوقهم ، وبذلك يصرون على الخطأ ، ويكررونه رغم معرفتهم بسوء ما يعملون وعدم قبوله إنسانياً وأخلاقياً ، ويلجأون إلى أشخاص آخرين لحمايتهم أو تسهيل أمورهم ، ودائماً عندهم الغاية تبرر الوسيلة ، والمصلحة الشخصية هي الأساس ، لذلك لا يكون لهم أصحاب حقيقيون إلا ممن هم على شاكلتهم.

إن الإنسان الذي يرتضي الذل والهوان ، ولا تهمه كرامته مقابل المصلحة ، ولا يقدر على المواجهة ولا الوقوف في مواقع الرجولة ، ولا يهوى صعود الجبال ، سوف يبقى أبداً بين الحفر ، يعيش مع من هم بمستواه الفكري والأخلاقي والإجتماعي ، مهما كانت وظيفته وأيما وصل بالمنصب ، فكل شيء زائل ، وسيبقى ذيل الكلب أعوجاً كما هو.

المنحرفون والمعتلون لا يستطيعون إلا أن يتعمدوا مواصلة وممارسة تصرفات لا يقبلها الأسوياء ، ويعانون من أمراض نفسية متعددة ، ويغطي عليهم من يستفيد منهم ، أو من يكون له مصلحة ما عندهم ، أو من لا يعرف حقيقتهم ، ورغم كل الفرص التي تُتاح لهم لإصلاح ما هم عليه ، والتراجع عن واقعهم المخزي ، والسير في الطريق المستقيم ، إلا أنهم يصرون على التمادي والسير في طريق الظلم ، ولكن لابد أن يأتي يوم وينكشفوا مهما غطتهم الأيام والمناصب ، وهنا يبدأ عزلهم ، وتسليط الأضواء على ما ارتكبوا من ممارسات وسخة ، ويكون القرار السليم والحكيم هو رميهم في سلة الزبالة ، مثل الخرقة الوسخة ، كمكان يليق بهم ، فقد وصلوا إلى نهاية مطاف النذالة والدجل والخداع وقلة الخلق ، واستحقوا النتيجة وما يجب من عقاب.

عندما يكون الإنسان في مكان المسؤولية ، لا يعني دائماً أنه كفؤ ، فهنالك أمور أخرى من الممكن أن تصنع شخصاً ليكون في منصب أو مؤسسة عريقة لمدة معينة تستلزم بقاء مثل هذا النوع من البشر ، ولا ينفي ذلك أنه وُضِع لخدمة العامة ، واستؤمِن على مصالح الناس ؛ فمن المتوقع أن لا يغش ، ولا يخدع ، ولا يتجاوز ، ولا يستغل المنصب ، ولا يخون الأمانة ، ولكن في الحقيقة هو جاهز لكل الممارسات السيئة ، ويستغل كل شيء بالوظيفة بطريقة غير أخلاقية ، يستغل الخدمات والأشياء المصروفة له بحكم المنصب ، ويظهر أمام الضعفاء والأغبياء أنه كفؤ ، ولكن إذا ما تم تقييمه في أماكن الرجولة فهو بريء منها ، ولا يمتلك من الخلق أو الأدب أو الرجولة شيئاً.

التهاون في حقوق الناس والمؤسسات والدولة من قبل المسؤولين ، وعدم المتابعة الميدانية مصيبة في حق الجميع ، يجب إعطاء كل ذي حق حقه ، وإستبعاد غير المنتمين والمتسلقين والشواذ والذين لا تهمهم مصلحة الوطن بعيداً ، وخلافاً لذلك ، فلابد أن يسود الظلم ، ويشيع بين الناس الفساد ، ويدخل ذوو الإجتهاد والأدب والعلم والإنتماء في دوامة ، ويبدأ السؤال : لماذا يبقى هؤلاء بالمناصب ؟ ، أكلة المال العام ، والمعتلون نفسياً والأنذال ؟ ، وهنا يدخل المجتمع في حيرة ، لماذا مانسمعه شيء ومايطبق على أرض الواقع شيء آخر مختلف؟ ويستفحل الأمر بمرور الوقت ، ويصبح عصياً على الإصلاح ، وتزيد التكلفة ، ويتراكم الفساد ، ويبدأ الدمار الشامل ، وتنهار منظومة القيم ، وتسود الكراهية ، وتنتشر الأخلاق الذميمة وكأنها الصحيح ، وتشيع المصالح الشخصية على حساب المصالح العامة ، وتتراجع الإمكانيات ، وينقسم الناس إلى فئات ، أكثرهم باتجاه الباطل ، معه أو خوفاً منه ، وتبدأ سلسلة من الإنهيارات في المؤسسات ، التي هي مؤشر لضياع الدول.

من الصعب أن تطلب من الناس أن يصلحوا أحوالهم ، وهم يرون أن الفساد هو الحالة السائدة في مجتمعهم ، وذلك لا يعني أن يكون الإنسان إمعة ، ويقول أنا مع الناس ، فإن أساؤوا أسأت ، وقد نسي حساب الله ، وأن التنافس يجب أن يكون شريفاً مُتّسِماً بالخير والعلم فيما يَصُب في مصلحة المؤسسات والدولة.

أحوالنا في هذا العالم نحو تراجع مستمر ، ومقدراتنا في تناقص ، وهناك تهديد حقيقي وتحديات صعبة ؛ نحن بدون نماذج عامة وقدوات وطنية لتنهض بالفكر والعمل ، يجب أن نتحمل المسؤولية جميعاً ونشعر بضرورة الوقوف معاً في سبيل إنقاذ مجتمعنا ومقدراتنا ، وننظر للمستقبل ونحمي مؤسساتنا ، ونحافظ على القانون كي تصل الحقوق إلى أصحابها ، ويكون العدل أساساً ، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال إرشاد مجتمعي ، وإعلام وطني ، وقانون صارم يُطَبّق على الجميع ، ولا يفرّق بين الناس.

النذالة والطباع السيئة في الشخص لا تتغير ، مهما بُذِلت المحاولاتُ في سبيل تقويمها ، فالعادة أن يتغلَّب الطبعُ على التطَبُّع ، عندما تقف إلى جانب شخص ما وتمد له يد العون في محنته ، وتساعده في حل مشكلة وقع فيها ، أو أن تسدي له معروفاً ،ثم يقابلك بإساءة لا مبرر لها إطلاقاً ، ولا يتراجع ، ولا يعتذر عن إساءته تلك ، فهذا هو قمة النكران والجحود والنذالة ، ولذلك لا تفكر ابداً بالتعامل معه أو تجربته لمرة أخرى ، والبعد عنه مكسب.

النذل يميزه التعالي والتكبر والعجرفة واللامبالاة ، ولكنه يُظهر اللطف والإبتسام أمام من هم أعلى منه ، أو عندما يكون له حاجة ، ويدير ظهره لحظة إنتهاء حاجته ، وهو يتقرب من المصالح وأصحاب السلطة ، ويتحول إلى نذل وحقير بعد انتهاء المصلحة ، يقوم بأية ممارسة مؤذية بالخفاء ، لأنه لا يستطيع المواجهة. جبان ، ولا يحمل أياً من المبادىء الإنسانية ، حاقد على كل شيء ، يتصف بالوصولية والإستغلال ، “لا للهدة ولا للسدة ولا لعثرات الزمان” ، ولذلك لا أحد يستطيع أن يتحمله ، وهو لا يستطيع الإحتفاظ بصديق لوقت طويل.

قد يكون لك ذكريات وتجارب مؤلمة حدثت مع أحد من الأنذال ، فلا أحد يسلم منهم خلال حياته ، ولو كنت شديد الحذر منهم ، وتتفادى تكوين أية علاقة بهم أو الإرتباط معهم بصداقة أو عمل ، وخير وسيلة للتخلص منهم هو الإبتعاد عنهم وتجنبهم.

وأخيراً أقول:
النذالة والرضوخ والهوان وقلة القيمة هي قيم يعيش عليها بعض الناس، وتلتصق بهم وتكون جزءاً من شخصياتهم ، ليس لهم كرامة في شيء ، بدون إحساس ولا عزة نفس ٍولا شهامة ولا أنفة ، لا شك أن النذل رح يضل نذل ، واللص رح يضل لص ، وقليل القيمة رح يضل قليل قيمة ،والكذاب رح يضل كذاب ، والأحمق رح يضل أحمق ، والمنحرف رح يضل منحرف ، ومن شَبّ على شيء شاب عليه ، وشو دخل الشيب بالرزالة ؟.

د. يوسف العجلوني