ملفات غطاها الغبار
هناك ظاهرة في حياتنا كعرب قلّما يتطرق اليها حتى اصحاب الاختصاص والذين لا يكفون عن الثرثرة الفضائية حول التخلف وتجريف الوعي ، انها ظاهرة استبدال واعادة ترتيب الاولويات، فالكمالي والثانوي هو الضروري الان، وقد تظفر زجاجة العطر بنصيب علبة الدواء، وحين نقرأ عن الارقام شبه الفلكية لما ينفق على الهواتف المتنفلة نقف مذهولين، ونتساءل كيف يصل خط الفقر الى هذا المستوى في مجتمعات تنفق كل هذه الاموال على الكلام ؟ ويذكرنا ذلك بما انفق على التسليح في العالم العربي الذي تفرغ منذ عدة عقود لحروب الاخوة الاعداء والثأر من ذوي القربى لأن ظلمهم اشدّ مضاضة كما قال شاعرهم الجاهلي . ان ما قاله برنارد شو عندما وصف الرأسمالية بأنها تشبه صلعته ولحيته تعبيرا عن الغزارة في الانتاج وسوء التوزيع يصدق على العالم العربي اكثر من بريطانيا قبل قرن، فالانتاج يتناسب طرديا مع سوء التوزيع، وفائض الثروة يتحول الى مديونيات كما ان الوفرة الديموغرافية تتحول الى عبء والامتيازات الى عيوب سواء تعلّقت بالمواقع الاستراتيجية او التكامل الجغرافي . اننا طراز من البشر الذين يخجلون من فقرهم ويحولونه الى عورة يجب التستر عليها او استدانة ثمن المساحيق لتغطيتها، وربما لهذا السبب او ما يماثله قال جان جاك روسو ان الفقر لا يخلق الثورات او الحاجة الى التغيير بل الوعي به وبكل محاصيل الشقاء الانساني التي يفرزها ! اغنياء في الظاهر وفقراء مدقعون في العُمق، فثمة من يتأنقون او يستعرضون المقتنيات على حساب ما يتعرضون له من انيميات بدءا من انيميا الجسد حتى انيميا الثقافة والوعي، واذكر ان الدكتور حليم بركات اصطحب معه فريق عمل لاجراء دراسة ميدانية واستفتاء بعد عام 1967 وتوصل الى ان الناس لا يقولون الحقائق كما هي ليس رغبة في الكذب بل خشية من الاخرين . لهذا من حقنا ان نشك في جدوى ودقة كل الاستطلاعات ما دام الناس يفكرون الف مرة في كل ما يمكن ان يقوله الاخرون عنهم قبل البوح بشقائهم !!