ماذا تفعل موسكو على الحدود الأردنية السورية؟
ماهر أبو طير
المذهل أننا اكتشفنا فجأة عالماً سرياً لا يعرف أغلبنا عنه، ولولا الشفافية لما عرفنا عنه أيضا، بعد أن وصلت الأمور إلى درجة خطيرة لا يمكن معها السكوت على هذا الملف الأساس.
دعونا نقرأ الأخبار أولا التي تقول إن الروس قرروا تسيير دوريات على طول الحدود الأردنية السورية، من جهة ريفي السويداء ودرعا الجنوبي، من دون التنسيق مع النظام السوري، بهدف مراقبة الحدود المشتركة للحد من عمليات تهريب المخدرات التي تحصل نحو الأردن انطلاقاً من الداخل السوري، مع دخول فصل الشتاء الذي تنشط خلاله عمليات تهريب المخدرات.
وتضيف الأخبار أن أول دورية روسية مؤلفة من ثلاث عربات مدرعة بدأت بممارسة مهماتها من بداية تشرين الأول على طول الخط الحدودي من معبر نصيب الحدودي بريف درعا الجنوبي، وصولاً إلى المخفر الحدودي “107” الواقع قرب قرية خازمة في ريف السويداء الجنوبي الشرقي.
ما يتوجب قوله هنا إنه مطلوب من الروس مضاعفة جهودهم لتعزيز أمن الحدود مع الأردن، على الرغم من انشغال الروس في حروب سورية، وأوكرانيا وجهات ثانية، وإذا كانت العلاقة الأردنية مع موسكو جيدة على ما هو مفترض، فإن إنهاء ظاهرة تهريب المخدرات إلى الأردن، والأسلحة، ليست دورا أردنيا وحسب، بل بات هذا الملف إقليميا ودوليا لتأثيراته المختلفة على كل المنطقة.
الروس أساسا كانوا يتفرجون على كل المشهد ولا يتدخلون، وهذا التدخل على إيجابيته إلا أنه يأتي متأخرا ومحدودا، خصوصا، أن الحدود الأردنية مع سورية طويلة، وتفيض بكل الأخطار من التنظيمات المتطرفة، إضافة إلى جماعات مسلحة ذات طابع مذهبي وبعضها غير عربي، وصولا إلى مصانع المخدرات ما خلف الحدود، في ظل إشارات إلى وجود حماية من جانب قوى متنفذة في سورية لهذه العصابات، التي تتولى نقل المخدرات والأسلحة إلى الأردن ودول الجزيرة العربية.
في كل الأحوال يقوم الأردن بدوره على أحسن وجه، مع كل هذه العمليات التي يتم شنها على تجار المخدرات في الأردن، ومخازنهم، وهم جزء من شبكات أوسع ممتدة داخل سورية، على الأغلب، وبرغم قتل العشرات من المهربين وصد الهجمات إلا أن المهربين ينتظرون الشتاء الآن، للاستفادة من أجواء الضباب، والمطر، والظروف الجوية، ظنا منهم أن التهريب أسهل، في هذه الظروف.
في الأساس هذا هو دور السوريين، أي تنظيف جنوب بلادهم من كل هذه البؤر، سواء التهريب أو تصنيع المخدرات، أو تمرير الأسلحة، التي قد لا تكون لغايات البيع التجاري بالمعنى المعتاد، وقد تكون من جماعات متطرفة إلى أفراد معينين في الأردن، لاستعمالها لغايات متعددة في هذا البلد.
علينا أن نقف عند كلام الخبير العسكري اللواء المتقاعد الدكتور مأمون أبو نوار الذي قال في تصريحات إعلامية إن تسيير دوريات روسية على الحدود السورية الأردنية، داخل الأراضي السورية، إجراء روتيني لن يغير شيئا وإن الأردن بذل جهودا عالية المستوى لمنع تهريب المخدرات.
المراهنة على الروس هنا قد لا تكون كافية، لأن هذا الدور يبدو محدودا على طول الحدود، إضافة إلى غياب الدور السوري، وهذا يفسر تغيير الأردن لقواعد الاشتباك مع هذه العصابات، بعد أن تجاوزت في ممارساتها كل التوقعات إلى درجة أن تهاجم الأردن بالطائرات المسيرة المحملة بالمخدرات، أو عبر تنفيذ عشرات محاولات التهريب مرة واحدة، ظنا منها أنها تربك الطرف الأردني، ولا تريد أن تصدق أن إمكاناته متطورة جدا، برغم كل القتلى والجرحى بسبب هذه الهجمات.
ما زلت وغيري نصر على رأي يقول إن إلقاء القبض على المهربين مفيد جدا، في حالات كثيرة، لمعرفة المعلومات التي لديهم عن الشبكات المحلية والوكلاء في الأردن، وهذا يساعد كثيرا في إنهاء هذه البؤر في الأردن، إضافة إلى تفكيك الشبكات وهو جهد يتواصل بشكل يومي دون تراجع.
لقد أثبتت الأسابيع القليلة الماضية، وجود عالم سري في الأردن، لا نعرف عنه، وهو عالم يهدد حياتنا واستقرارنا، بما يجعل المسؤولية علينا جميعا مضاعفة أمام هذا الخطر.
الغد