9 أعوام على اغتيال الشيخ أحمد ياسين
والتي كانت محطةً عظيمةً استوقفت كل أحرار العالم، ونبَّهت الأمتين العربية والإسلامية للخطر الحقيقي الذي يمثِّله الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين.
وكان الشيخ ياسين يتمتع بمنزلة روحية وسياسية متميزة في صفوف المقاومة الفلسطينية؛ وهو ما جعل منه واحدا من أهم رموز العمل الوطني طوال القرن الماضي، كما يعد من أكثر القادة الذين نالوا احترام وولاء معظم الفلسطينيين ومعظم القادة والزعماء في العالم.
نشأة وتأسيس ومحن
وولد الشيخ الشهيد أحمد ياسين عام 1938م في قرية الجورة قضاء المجدل المحتلة، ولجأ مع أسرته إلى قطاع غزة بعد حرب 1948م، وتعرَّض في شبابه لحادثٍ أثناء ممارسته الرياضة، نتج عنه شلل جميع أطرافه شللاً تامًّا.
وعمل مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، ثم خطيبًا ومدرسًا في مساجد غزة، وأصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيبٍ عرفه قطاع غزة؛ لقوة حجته وجسارته في الحق، كما اختير رئيسًا لـ”المجمع الإسلامي” في غزة، وكان له نشاط متميز في الدعوة إلى الله.
اعتقل الشيخ ياسين عام 1983م بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكريٍّ، والتحريض على إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود، وعرض أمام محكمةٍ عسكريةٍ إسرائيلية أصدرت عليه حكمًا بالسجن لمدة 13 عامًا.
إلا أنه أُفرج عنه عام 1985م في إطار عملية تبادلٍ للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، بعد أن أمضى 11 شهرًا في السجن.
وأسَّس الشيخ ياسين مع مجموعةٍ من النشطاء الإسلاميين الفلسطينيين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة في العام 1987م، وتعرَّض للتهديد بالإبعاد؛ حيث داهمت قوات الاحتلال منزله أواخر شهر آب (أغسطس) 1988م، وقامت بتفتيشه وهدَّدته بنفيه إلى لبنان.
وبعد شهور، وتحديدًا في ليلة 18/5/1989م اعتقلت سلطات الاحتلال الشيخ ياسين مع المئات من أبناء حركة “حماس”، في محاولةٍ لوقف المقاومة المسلَّحة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه واغتيال العملاء.
وأصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية في 16/10/1991م عليه حكمًا بالسجن مدى الحياة مضافًا إليه 15 عامًا بعد أن وجَّهت إليه لائحة اتهام تتضمن 9 بنود؛ منها التحريض على اختطاف وقتل جنود
إسرائيليين، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني. وظل الشيخ ياسين في السجون حتى أفرج عنه فجر الأربعاء 1/10/1997م بموجب اتفاقٍ جرى التوصل إليه بين الأردن والكيان الإسرائيلي للإفراج عن الشيخ مقابل تسليم عميلين إسرائيليين اعتقلا في الأردن عقب محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.
وعمل على إعادة تنظيم صفوف حركة حماس من جديد عقب تفكيك بنى الحركة من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية آنذاك، وشهدت علاقته بالسلطة فترات مد وجزر، حيث وصلت الأمور أحيانا إلى فرض الإقامة الجبرية عليه وقطع الاتصالات عنه.
وفي شهر مايو عام 1998 قام الشيخ ياسين بحملة علاقات عامة واسعة لحماس في الخارج، نجح خلالها في جمع مساعدات معنوية مادية كبيرة للحركة، فأثار “إسرائيل” آنذاك، حيث قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية باتخاذ سلسلة قرارات تجاه ما وصفته “بحملة التحريض ضد إسرائيل في الخارج”.
وقالت “إسرائيل آنذاك إن الأموال التي جمعها ياسين ستخصص للإنفاق على نشاطات وعمليات الجناح العسكري لحماس “كتائب القسام” وليس على نشاطات حركة حماس الاجتماعية في الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع، التي تشمل روضات للأطفال ومراكز طبية ومؤسسات إغاثة خيرية وأخرى تعليمية.
وسارعت إلى رفع شكوى إلى الولايات المتحدة للضغط على الدول العربية بالامتناع عن تقديم المساعدة للحركة، وطالبت بمنع الشيخ ياسين من العودة إلى قطاع غزة، ولكنه عاد بعد ذلك بترتيب مع السلطة الفلسطينية.
وتعرّض ياسين لمحاولة اغتيال فاشلة في سبتمبر عام 2003، عندما كان في أحد الشقق بغزة وبرفقته رئيس الحكومة بغزة إسماعيل هنية، حيث استهدف صاروخ أطلقته طائرات حربية إسرائيلية المبنى السكني الذي كان يتواجد فيه ما أدى إلى جرحه هو و15 من الفلسطينيين، إلا أن جروحه لم تكن خطيرة.
لحظات الشهادة
وصبيحة يوم الأحد، أي قبل أقل من 24 ساعة على اغتياله، التزم الشيخ المنزل، وظل في حالة صحية بالغة الصعوبة، ولم يستطع تناول الطعام رغم اضطراره لتناول بعض العقاقير المهدئة لنوبات ضيق التنفس التي لم تفارقه طوال الوقت.
ولاحظ مرافقو الشيخ طوال نهار يوم الأحد، نشاطا غير عادي لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية بدون طيار فوق حي “الصبرة” الذي يقع في أقصى جنوب المدينة أي على مقربة من مستوطنة نتساريم التي كانت تشهد تحركات عسكرية مريبة.
وقرَّر مرافقوه عدم السماح للشيخ بالمبيت في المنزل الذي يقع في أقصى جنوب الحي، وبعد التشاور معه، تقرر نقله إلى مأوى آخر بعد أداء صلاة العشاء في مسجد “المجمع الإسلامي”، الذي يبعد بضع مئات من الأمتار عن البيت.
وبالفعل نقل الشيخ إلى المسجد، حيث أدى صلاة العشاء، لكن المرافقون وأبناؤه فوجئوا بعد ذلك بقراره البقاء في المسجد، ولم تفلح محاولات المرافقين والأبناء معه، حيث أكد أنه نوى هذه الليلة الاعتكاف في المسجد، وأنه لن يغادره إلا بعد أن يؤدي صلاة الفجر.
لم يجد المرافقون بدا سوى الاستجابة لرغبته في حين عاد أبناؤه إلى منزل العائلة، بينما ظل المرافقون يحيطون به، ورغم معاناته الشديدة من ضيق النفس، ظل يتهجد ويسبح طوال الليل.
وأكد بعض من كان مع الشيخ أن تحسنا مفاجئا طرأ على وضع الشيخ الصحي قبل حلول موعد أذان الفجر، واخذ يتبادل أطراف الحديث مع مرافقيه ومع أوائل المصلين الذين بدءوا في الوصول إلى المسجد لأداء الصلاة ليفاجئوا بوجوده قبلهم في المسجد.
وأجل المؤذن إقامة الصلاة، بعد أن لاحظ انخراط الشيخ في حديث مع بعض المصلين وطفل لم يتجاوز التاسعة من عمره حضر للصلاة، وبعد الصلاة انطلق به المرافقون إلى البيت، بينما كان ولداه وجيران أدوا معه الصلاة يمشون بجواره.
وقبيل لحظات من إطلاق الصاروخ القاتل، التفت أحد المرافقين إلى أحد جيران الشيخ ليسأله بعض الشيء، وما أن استدار ثانية تجاهه حتى كان صاروخ “الهيل فاير” الأول يخترق بطن الشيخ!!
واختارت حركة حماس عقب استشهاد الشيخ ياسين الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ليقود مسيرتها في قطاع غزة، غير أن هذه الولاية لم يمض عليها أكثر من 25 يوما حتى عاجلت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون إلى اغتيال الرنتيسي.
وخاضت الحركة عقب اغتيال زعيميها الكبيرين الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، والأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في سبتمبر 2005، وفازت فيها بالأغلبية الساحقة، وشكلت معها الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية.
(صفا)