فرنسا أينها في الازمة؟
بعد العمليات الإرهابية تبدو فرنسا الآن انها تعيش أزمة القوة الدولية التي لم تعد تعرف اين تقف!!. فهذه الأمة العظيمة استقطب تاريخها في القرنين الأخيرين شخصيتان – عهدان أولهما:
– نابليون الذي ابتدأ بعد الثورة في نقل طموحه الشخصي الى حاجتها لدور مؤثر على المسرح الاوروبي فاجتاح اوروبا شرقا الى موسكو وخلف ممالك لافراد عائلته وخاصة في اسبانيا وايطاليا، ودولا جديدة بين مراكز الثقل، واهمها بولندا التي صارت بفضل مزاجيات غرامية مع احدى نسائها الجميلات (الكونتيسة فالفسكا). وانتهى الثائر – الامبراطور في البا… لكن فرنسا بقيت قوة أوروبية مؤثرة.
– .. وبعد نابليون جاء الجنرال ديغول ليقود المقاومة ضد الاحتلال النازي وضد حكومة فيشي العميلة. وبعد الانتصار لم يجد الجنرال مكاناً له وسط تصارع حزبي تعيس، فذهب الى بيته في الريف، ليشهد عن كثب هزائم الامبراطورية في الهند الصينية، وثورة الجزائر الغلابة.. وضياع فرنسا بين حلفاء الاطلسي!!.
وعام 1958 وصل الاهتراء في الجمهورية الرابعة الى الحد الذي قبلت فيه الاحزاب شروط الجنرال ديغول اولا بتغيير الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب، ثم بانهاء عصر الاستعمار في افريقيا ودول الكاريبي الصغيرة، والأهم الدخول في مفاوضات مع ثوار الجزائر.. انتهت بخروج مليون مستوطن فرنسي.
فرنسا نابوليون التي اخضعت اوروبا.. ثم قبلت الهزيمة بالعودة الى حدودها الطبيعية.
وفرنسا ديغول التي اعادها من جنوب شرق اسيا وافريقيا الى موقعها الاوروبي المميز، وانشأ القوة النووية العسكرية، وخرج من حلف الاطلسي وطلب من قيادته مغادرة فرنسا الى بلجيكا.
لم تستطع فرنسا بعد ديغول ان تكون قوة عالمية لها تأثيرها، فكانت قياداتها اشبه بادارة رجال الاعمال ولعل هذه القصة تعكس الفهم العميق لادارة السياسة في عالم متغير.. وكأن ما حدث عام 1967 يحدث الان.
فعشية حرب حزيران وصل باريس آبا ايبان وزير خارجية اسرائيل لكي يخبر الجنرال ديغول بان بلاده ستهاجم ناصر.
استقبله ديغول واستمع اليه باهتمام. وحين انتهى الوزير الاسرائيلي من مبرراته السخيفة قال له الجنرال: انا اعرف انه مهما قلت لك فإنه لن يغير قرار حكومتكم. (فديغول كان يعرف موقف الرئيس جونسون) ولكن اعلموا انكم بالحرب ستصلون الى ما يلي:
– اولاً ستربحونها بسرعة شديدة.. ربما في اسبوع!
– انكم لن تستطيعوا لانتصار الاستفادة منه سياسياً أو دبلوماسياً.
– إن عملكم هذا سيؤدي الى ولادة الامة الفلسطينية.. اي عكس ما تتوخون!!
هذا الوضوح الحاسم لا يستطيع رئيس فرنسي ان يقوله الان, ولا يستطيع اوباما وريث جونسون قوله ايضاً.
بين نابليون والجنرال ديغول. وكلاهما قدم من الجيش, يشعر الفرنسيون أنهم غير قادرين على محاربة الارهاب الذي يدق ابواب باريس. انهم يذهبون الى الامم المتحدة, ويطلبون معونة الحلف الاطلسي. ويرسلون عشر طائرات «لقصف» مدينة سورية ثأراً للعجز الامني!!