عاجل

د. يوسف العجلوني يكتب.. الدين والحياة

وكالة الناس – كتب. د. يوسف العجلوني – ومَن رَضِيَ الحياة بغير دِين ، فقد جعل الفناء لها قريناً ، حاجة البشر إلى الدين ضرورة ، فهو جوهر الحياة ، وسر الوجود ، ويضمن المساواة والعدالة ، وفيه الثواب لمن أمن وأطاع الله وعمل صالحاً، وتمتع بحسن الأخلاق وانتهى عن السوء، وأذى الناس ، وفيه العقاب لمن خالف الله ولم يلتزم بما جاء في الدين من عبادات ومعاملات.

هنالك فرق كبيرٌ بين التدين الشكلي المبني على المظاهر والرياء ، والتدين الجوهري المبني على المضمون.

 

الدين هو الطريق المستقيم ، والتعليمات الدينية تضمن للإنسان الحياة الآمنة المستقرّة ، وتبني الحياة الأسرية القوية المتماسكة ، في غير ذلك يؤدي البعد عن الدين بالمعاملات والعبادات إلى صعوبة الحياة في مجتمعنا والشعور بالضيق والضنك والمعاناة.

فهم الدين يحتاج إلى علم وعقل وفكر وإنسانية وعفو ومودة ورحمة وعدل وتدين صحيح ، بحيث تكون مثلاً أعلى ، ومُحباً للناس ومتقناً للتعامل معهم بالإنسانية ، وجميع الأديان لها نفس الهدف ولكن تختلف طريقة التعبير والتفصيل والأشخاص والمسميات.

بدأ الطريق الصحيح للبشرية وتطورها بالأخلاق وإصلاح الإنسان نفسه ، فالإنسان الصالح في أي دين هو الأساس في البناء والاستمرارية ، وعكس ذلك تكون الطامة الكبرى إذا كان الإنسان متحيزاً بألافكار أو عنصري أو حاقد أو يعتقد بمبدأ السيطرة وإثبات الرأي والإجبار.

هنالك من يفهم الدين من زاوية واحدة ، وكما يفسره عقله ، ولا يهمه البحث ، ويكتفي بما يعرف ، ويعتقد أنه صاحب الرأي السديد دائماً ، لذلك يكون عصبياً ولا يستطيع الاستماع للرأي الآخر ، ويخطئ في المعاملات وأصول ومعنى العبادات ، ويستغل ما يفهم من الدين لتفسير ما يقوم به ، ويهتم بالمصالح الخاصة ، فتراه يقوم بالعبادات ، ويلزم أفراد العائلة بالتدين ، ويتكلم بمهارة وتنميق ، وفي الواقع لا يخاف الله في تصرفاته ومعاملاته ، وليس عنده حياء في الخفاء ، ولا يصدق ولا يتصدق ، ولا يحب الزكاة ولا عمل الخير ، وجميع المعاني الإنسانية ضعيفة عنده ، ضميره يعتمد على الموقف ، الرشوة من باب تسهيل الأمور ، معاملات ربوية لتحسين الأحوال ، كلامه في المجالس دين فهو ما يجيده ، ولكن في الواقع والتجربة عنده تقصير كبير في الصدق والوعود والعهود والعقود مع الناس.

هداية الناس للدين وتحبيبهم به تعتمد على شمولية الدعوة والطريقة والقدوة والتطبيق ، ليس فقط بالشعائر الظاهرة ، أو التمثيل الديني والإجتماعي ، ويحب أن يكون التغير جذرياً في النفس والقلب وفي كل نواحي الحياة لمن يريد أن يهدي الناس للدين.

 

يجب أن نكون واضحين بدقة وصريحين أمام أنفسنا أولاً وبما نتصرفه مع الناس سراً وعلانيةً ، وأن لا ندعم التدين الظاهري الذي يصنع الازدواجيات في المعاملات ويعكس الإنفصام ، ويجب اتباع التعليمات الدينية بكل معانيها وفي كل الاتجاهات وقول الحق ، وهنا يكون الطريق المستقيم والسليم في الحياة ويكون السير فيه بسعادة وراحة بال.

يجب أن لا يكون هنالك تناقضات بين الظاهر والباطن ، ويجب عدم الإنخداع بالشكل وعدم اعتماد المال والمنصب كأساس للعلاقات والتعامل  لأن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .

الوضع المالي والإجتماعي والمنصب والنسب لهم تاثير واضح على علاقتنا بالدين ووجوده بحياتنا وتعاملنا به ، وبوجود الأخطاء والظواهر غير الصحيحة وتغير الحقائق. كثير من الأشخاص لا يقولون كل الحقيقة ويخافون من التعبير عن آرائهم خوفاً من ردة الفعل للمتزمتين والمتمكنين.

التناقض بين أفراد المجتمع في التطبيق للتعليمات الدينية صارت واضحة بسبب الجهل بالدين ، وعدم قول الحق ، وممارسة الدين كعادات وتقاليد كونه موروث من الآباء والأجداد ، فباتت مسألة الدفاع عن الدين نابعة عن العاطفة الإجتماعية ، ولذلك لا يتم التنفيذ للأوامر الدينية كما ينبغي ، ويكون التدين بالاسم فقط ، ولا يمارس الدين كما جاء ، حيث أصبحت التعليمات الدينية مرتبطة بالمزاج والتغيرات الإجتماعية والنفسية والمالية.

التصرفات والمعاملات في المجتمع الآن لا تسير في المسار الصحيح ، وبعيدة عن الإحترام ، ولا يوجد تقبل للرأي الآخر ، ولا أحد يحفظ قدر الآخرين وشعورهم ، والمعاملات تحكمها المصلحة والنفاق ، ولا يتم ممارسة الدين الصحيح إلا في بعض الأحيان وعند الضرورة ، وتجد الناس يظهرون وجهاً ويخبئون وجهاً آخراً.

من أسس الإيمان بالدين أن يترك المرء ما لا يعنيه ، وأن يحب الخير للآخرين كما يحبه لنفسه ، ولكن في الواقع هذه الأمور في معظم الأحيان غير مطبقة ، والأنانية مبدأ يُعمل به ، والمصلحة أساس ، ولم تعد محبة الخير والحض عليه من الأخلاق اليومية.

 

النفاق أصبح منهج حياة في مجتمعنا ، ويدّعي الدين ، وفي نفس الوقت لا يمارس الأفراد هذا الدين في كل الأوقات والمواقف ، ويظهر فقط في العبادات ، ولا يشمل جانب المعاملات في معظم الامور ، ومن هنا بدات السلبية ، فلم يعد الدين أسلوب حياة ، وارتبط بالمظاهر الزائفة والتسلق ، وانحصر على ما يظهره الأفراد من التزامهم بالدين أمام من يرغبون بذلك ، الآن ينبغي إعادة النظر بما يحدث ، من أجل معرفة السبب في ما وصلت إليه الأمور ، وممكن أن يكون السبب هو انتشار الثقافات التي تسير بعكس ما جاء في الدين ، ولذلك زادت الحاجة لوجود النفاق وأصحابه ، إذ أن الناس في مجتمعنا يرغبون في مسايرة الثقافات المتطورة مع التشبث بالدين ، فلا هم سايروا هذه الثقافات باعتبارها تفرض تحرراً وانفتاحاً ، ولا هم مارسوا الدين كما يجب ليفوزوا بالدنيا والآخرة ، فتكون النهاية خسارة التحرر والانفتاح والدين والدنيا والآخرة.

د. يوسف العجلوني