عقدة الإعلام الاجنبي في الديوان الملكي
الخلل في سياسات الإعلام،بات غير محتمل،واذا انتقدت سياسات الاعلام،غمز من قناتك من يغمز،باعتبارك ربما عاتبا لسبب آخر،أو لأنك في حالات باحث عن وظيفة «ميري»مع طربوش، باعتبارك المنقذ،وهذه تفسيرات سطحية يلوذ بها المفلسون والدساسون.
في مقابلة الملك الاخيرة مع مجلة اتلانتك،وملخصها المنشور في النيويورك تايمز،استخلاصات كثيرة،تلتحق بسلسلة طويلة من الاستخلاصات،وكلها تؤكد ان عقدة الاجنبي مسيطرة على إعلام البلد وإعلام الديوان الملكي حصريا.
الصحافي الاجنبي أيا كانت مرتبته،يتم جلبه الى عمان في ساعات لمقابلة الملك،ولايجرؤ احد على الاتفاق معه على الذي ينشر ولا ينشر،كما يجري في حالات مع الصحفيين الاردنيين،بل يتم لبوس ثوب الصراحة في وجهه،ويتم الحديث أمامه في كل شيء.
لا نريد مناقشة مضمون الكلام في المقابلة،ولا انه خرج عن سياقه،ولكننا نلحظ ان محاولة ترقيع هذه المقابلة جرى بطريقة اكثر ضعفا،اذ ان بيان الديوان هش وضعيف،كما تم الاستنجاد بوكالة امريكية وتم اجراء مقابلة اخرى،مع زميل نحترمه ولا نقصده،وفي الحالتين يغيب الاعلام الاردني وشخوصه،عن كل هذه الازمة،باعتبار ان لا قيمة لهم ولا وزن ولا تأثير.
جرى هذا لأن هناك من يعتقد ان الترقيع بحاجة الى وسيلة اعلام امريكية تقدم مقابلة جديدة في وجه المقابلة الامريكية التي اثارت الضجة،وهكذا نبقى ندور في فلك واحد،هذا على الرغم من ان اجراء مقابلة مع اي وسيلة اعلام محلية كان سيأخذ ذات النتيجة عبر اقتطاف الوكالات وشبكات التلفزة لمقاطع منها وإعادة نشرها.
البعض لا يفهم ولا يريد ان يفهم ان صورة الملك بنسختها المحلية هي الأهم،وكيف نقدم الملك للناس،بين شعبه وكيف يتم خلق صورته،فالاعلام الغربي يوجه رسالة للخارج،فيما الاعلام الاردني غائب كليا،وربما يتم النظر إليه بدونية واحتقار،ولربما يصير مطلوبا ان تصدر صحفنا اليومية بالانجليزية حتى تصير ذات مكان وقيمة.
نحن لا نتحدث بشخصنة ولا عن اشخاص،حتى لا نبقى ندور في فلك تصفية الحسابات الشخصية،نتحدث عن سياسات قديمة جديدة عنوانها «الافرنجي افرنجي» ولو جلس اصحاب القرار وقاموا بتقييم تداعيات المقابلة الاخيرة لعرفوا انها ارتدت على الشارع،وعلى الحراكات وعلى يوم الجمعة المقبلة،وتقطيب القصة بمقابلة اخرى لوكالة اجنبية،لا يجعل الامر ناجحاً الى الحد الذي يظنه البعض.
رؤساء تحرير اليوميات والكتاب الصحفيون،جلسوا مع الملك مراراً فلم يبوحوا بسر،ولم يثرثروا،ولم يؤذوا البلد،لكنك لا تعرف لماذا يتم النظر الى الوسط الصحفي الاردني باعتباره لا شيء،وباعتباره لايجيد مهنته،وغير مؤتمن في حالات اخرى.
ثم ان القصة ليست قصة تغيير اشخاص،حتى لا نبدو بصورة الذي يستهدف احدهم،هي قصة السياسات،التي تدل على عقدة الاجنبي في اعلام الديوان،عقدة فتح الابواب والتبسم لمجرد انه يعمل مع وسيلة اعلام اجنبية،دون شروط او اشتراطات على الفروقات بين ما هو للنشر وما هو ليس للنشر،وهي عقدة متجذرة تتجاوز صغار الموظفين.
بهذا المعنى تم الإضرار بالبلد كثيرا،وتم الاضرار بصورة الملك،وها هي المؤسسات الاعلامية مغيبة وتعاني من مشاكلها،لصالح حميمية مع اعلام اجنبي يتم فتح الابواب له دون معايير،فيما ارتداد الازمات المخلوقة يصير مطلوبا من الاعلام المحلي رقعها ورقع ثوبها البالي،ولايكلف احد نفسه ان يعيد التموضع في كل القصة.
قد يخدمك سياسيا الاعلام الاجنبي في حالات محددة،وظيفيا وسياسيا،غير ان ماهو اهم يتعلق بالاعلام الاردني دون ان استثني احدا هنا من كل المؤسسات الرسمية والخاصة،المطبوعة والمتلفزة والالكترونية والمسموعة،فهذا الاعلام هو الذي يصلك بالناس،وهو الذي يتوجب الرفق به واحترامه مهنيا وسياسيا،بدلا من سياسات الاقصاء والنظر بفوقية الى هذا الجسم.
الثمن ترونه بعيونكم،لعل هناك من يصحو ويعيد صياغة هذه السياسات،التي عنوانها فقط إيصال رسائل للغرب،فيما أهل الشرق أولى بهذه الرسائل وأحوج إليها أيضا.
maher@addustour.com.jo