«المصالحة» هي العنوان الصحيح!
اذا سألتني: ما الذي يحتاجه بلدنا في هذه المرحلة التي عصفت بها رياح الخوف والشك وانعدام الثقة بين الجميع، سأجيبك على الفور: المصالحة، لا شيء يتقدم على هذه الاولوية الان، ولا مناص منها ابدا اذا اردنا ان نخرج من “معمعة” الاتهامات والاشتباكات والهواجس التي ما زلنا مشغولين بها منذ عامين على الاقل.
على طريق الاصلاح الحقيقي، يمكن ان نمضى الى طاولة “المصالحات” الوطنية، فمجتمعنا على اختلاف اطيافه ومكوناته “ملّ” لعبة التراشق المتبادل، وتحول الى ما يشبه “الجسد” الثقيل الذي بدا عليه التعب، ونخبنا مهما اختلفت مواقفها ومسؤولياتها اصبحت مثل “الرأس” المصاب “بالدوخة” والدوار، وبالتالي فنحن امام جسد يبحث عن رأس، ولا بد ان يتصالحا معا، وان يتحررا من ارث الماضي، وان يبدأ رحلة الخروج من “الازمة” التي اضرت بالطرفين معا.
اعرف ان اية مصالحات جدية بحاجة الى جولة من المصارحات والمكاشفات، والى اطار مقنع من المحاسبات، لكن لا بأس، لقد اتضحت الصورة امام الناس بكافة تفاصيلها، وتجاوزنا في العامين المنصرفين حالة “المكاشفة” وكدنا نغرق في التفاصيل الكثيرة، وفي الاعترافات التي جاءتنا من كل صوب، ولم تعد “الحقائق” غائبة عن اي مواطن، ومن واجبنا – الان – ان نختار: اما ان نذهب الى المصالحة بين الجسد والرأس، وبين اعضاء الجسد الواحد ايضا. لنضمن عبورا آمنا نحو المستقبل، واما ان نختار “المراوحة” التي ستضفي الى المصادمة، ونبقى واقفين على “قلوبنا” لا نعرف الى اين نمضي.. ولا ماذا تخبئ لنا الاقدار.
مع كل يوم يمر، نخسر “فرصة” التوافق، ونضيّع امكانية التواصل والجلوس على “الطاولة”، وتفاجئنا الاحداث بما لا يسرنا، وتكتمل “سلسلة” القيود التي تحاول ان تخنقنا ونكتشف بان ثمة من يريد ان يشعل “الحريق” في مرابعنا، ومن اسف ان الاغلبية ما تزال تتفرج، وان محيطنا الملتهب لم يدفعنا الى استقبال ذبذبات هذا “الحاضر المعاف” للتاريخ.
اذن لا بدّ ان نذهب الى العنوان الصحيح، وان نبدد هذا الغبار الذي افقدنا الرؤية والتبصر، والمصالحة – هنا – هي الحل، لكنها لا تعني طيّ صفحة الامس ونسيان اخطاء الذين اوصلونا الى هذه النتيجة. ولا تعني – ايضا – نبش “القبور” والبحث عن “قرابين” جدد لمجرد تزيين طاولة الحوار، ولا تعني “انزال” الوصفات بالبراشوت والزام الجميع بها، وانما تعني تنقيى الصدور من الضغائن والاجتماع على المصلحة العامة، واعتماد منطق التطهير قبل التغيير، ومنطق “الوفاق” كبديل للشقاق، ومنطق العفو عند المقدرة بدل القصاص من الجميع.
لقد تحمل هذا “الجسد” الاردني كل ما يمكن ان نتصوره من اعباء وضغوطات واستفزازات، وقدم على مدى عامين واكثر نموذجا في “السلمية” والوطنية والعقلانية، وهو الان بانتظار “اليد” التي يفترض ان “تمدّ” ليصافحها، وبانتظار المبادرة التي تطمئنه على مستقبله لكي يتصالح معها.
والصلح خير، والتنازل من كافة الاطراف افضل من “المكابرة” والخروج من لغة “الاستعلاء” الى “لغة” السواء افضل طريق للتفاهم ووصل الخطوط المقطوعة وادارة الاختلاف وتجاوز الوقوع في مصائد الكراهية والتنابذ وسوء المآلات.