د. يوسف العجلوني يكتب.. اللي بده يصاحب السبع بده يعرف طبعه
كتب.د. يوسف محمود العجلوني
الصحبة مطلب فطري ونفسي ، ولها دور أساسي في مستوى سلوك الفرد وتصرفاته ، وممكن أن ترفع أو تنزل من قدره في أفكاره واتجاهاته وتقدمه وانجازاته في مختلف نواحي الحياة. فالصحبة الطيبة الصالحة لها آثارها المحمودة ونتائجها اﻹيجابية على الفرد ، والصحبة غير الصالحة لها نتائجها السلبية ومساؤها الكبيرة والكثيرة.
السباع ، وينطبق ذلك على الأشخاص الأقوياء ، يديرون مشاعرهم وأفكارهم وسلوكياتهم ضمن أعلى درجات الشرف ، فلا يشعرون بالأسف والحسرة في أي قرار يتخذونه ، فيما يتعلق بعلاقاتهم وطريقة تعاملهم مع الآخرين ، هم يتحملون مسؤولية تصرفاتهم وينظرون من عدة زوايا ، لا يسمحون لأحد أن يتحكم في حياتهم ، وليس لأي شخص سلطان عليهم ، هم قادرون على اتخاذ ردود الفعل المناسبة لكل موقف في وقته دون ضغينة أو نية للظلم ، وهم يؤمنون بقدراتهم ، ويثقون بأنفسهم ، ويستثمرون أي تغير بإيجابية ، ولا يحتاجون لإرضاء جميع الناس طوال الوقت ، ولا مانع لديهم إطلاقاً من أن يقولون «لا» رفضاً لطلب ما ، ولا يترددون في خوض المخاطر المحسوبة بعد أخذ الوقت الكافي لوزن الأمور، ووضعها في نصابها ، وتقدير السلبيات والإيجابيات للقرار.
السبع لا يضيع وقته في أن يعيش ذكريات الماضي وما قد قيل وحدث فيه ، ولا يتغنى به ، فهو يعترف به كما كان، ويحاول أن يتعلم منه دروساً وعبر للمستقبل. ويضع جُلَّ إهتمامه وتركيزه على الحاضر وما يحدث الآن ، فهو لا يكرر الأخطاء التي وقع فيها سابقاً ، ولكن يتذكرها فقط ليأخذ منها الحكمة والعظة ، ولا يشعر بأي حقد إذا تفوق عليه أحد ، ودائماً يسعى لأخذ فرصته في النجاح.
الأقوياء يحترمون أنفسهم ويعرفون قدرها ويحترمون الناس كافة،الأقوياء أصحاب عزة وسداد في الرأي، يحفظون العهد ولا يخلفون موعداً ، ويلتزمون بالكلمة ، ويقدسون المواعيد ولا يتخطونها ؛ شخصياتهم عظيمة وناجحة ،القرب منهم قوة وعزة وأمل ونعيم وأمان ، وخسارتهم لا تُعَوض حتى بوجود الكثير من الناس مهما كان التبرير أو محاولة إقناع النفس بغيابهم.
الأقوياء يحترمون عهودهم ومواعيدهم والتزامهم مع الناس. إن ثقافة إحترام المواعيد تأتي من النشاة والتربية والتعليم والشخصية والخبرة وإحترام الآخرين ، وجميع الديانات حضت على الإلتزام بالمواعيد ، حيث يعتبر الصدق في الموعد جزء من الإيمان ، وفي الماضي، وفي كل الحضارات كان الموعد بالنسبة للناس من المبادئ الأساسية الجذرية المتأصلة في نفوس الكرام، والإنضباط في المواعيد يعتبر من القيم والأخلاق ، ومؤشر للصدق والرقي ، ويعكس الدقة والإهتمام بالنواحي المختلفة من الحياة ، وهو يعكس القيم النبيلة الأصيلة والسلوك الحضاري.
الشخص الذي لا يلتزم بمواعيده هو إنسان مستهتر وسيء ومنافق ، ولا يستحق الإحترام أو حتى التعامل معه ، وذلك قمة السلبية والأسف ، لأنه يسبب عدم الثقة ، وحدوث ضرر في المعاملات ، وشرخ في العلاقات ، وممكن أن يسبب مشاكل على مختلف المستويات ، مما يؤدي إلى انقطاع الود والمحبة ، فالشخص الذي لا يلتزم بمواعيده يقل إحترامه ، ويعرفه الناس ، ولا يصبح أهلاً للثقة والمصداقية بالنسبة لهم.
السبع لا يمانع الجلوس بمفرده في أي وقت ، ويستطيع البقاء وحيداً وقوياً ومستمتعاً، وهو لا يخشى الصمت ولا الخلوة بأفكاره ومع نفسه ، هو فقط يستمتع بصحبة من يناسبه من الرفاق الأخيار أصحاب المنطق والأصول ، ولا يصاحب من يخلفون الوعد ، ويستطيع البعد حسب تطورات الأحداث ، لأنه يعتمد على نفسه ، ولا يعتمد على الآخرين بالشعور بالراحة والسعادة.
الخلافات متوقع أن تحدث في أي علاقة ، ولكن الجدال والتبرير والحجج ومحاولة إثبات الراي شيء لا يطاق ، ويعتمد على الثقافة، ويعكس الضعف والخوف والتعنت وعدم الإعتراف بالحق ، أو الغباء وسوء الفهم وضعف الشخصية. التبرير يُحَول النقاشات إلى خلافات حادة أحياناً ، ويمكن أن ينتهي الأمر بإعادة فتح الجروح القديمة ، وتبدأ المعارك على أشياء صغيرة وتافهة ، ولا أعتقد أن مثل هذه الأمور تستحق خوض معركة كبيرة ولاسيما إذا كانت مع إنسان يحبك وتحبه. يجب الحذر من الخلاف المتكرر ، ويجب عدم الإستمرار بالجدال والحجج والتبرير والإعتذار عن الأخطاء ، ويجب منع الوصول إلى شجار أو تأزم بالعلاقة ، لأن ذلك يقسي القلوب ، ويبدأ البعد والجفاء ، وتقل أهمية العلاقة ويكون انقطاعها عندئذٍ أفضل.
كلما كبرنا ومرت الأيام وعرفنا الحياة ، تعلمنا وبشكل أفضل كيفية التعايش مع بعض الإختلافات الصغيرة الناجمة عن العادات السيئة والتي تأخذ وقتاً طويلاً لإصلاحها ، لذلك لا داعي لخوض عراك كبير من أجل أمر صغير ، ولا يجوز تكرار الأخطاء، وخاصة عندما تكون أنت على معرفة جيدة بالطرف الآخر ، وتعرف ما يحب وما يكره. وتعرف مدى قدرته على التحمل، ومع ذلك أنت تبدأ بالخطأ والتبرير والحجج التي لن تقبلها لو كنت أنت في نفس مكانه.
ممكن أن تصاحب مجموعة من الناس ويكونون حولك بطانة ، يوافقونك الرأي لمصلحة يبتغونها أو لغاية في أنفسهم ، وقد تفرض السيطرة والهيمنة والقوة عليهم ، لكن هذه العلاقات لابد أن تتلاشى وأثرها يزول ويختفي بعد مدة قصيرة ، ولأنها أنشئت من أجل غاية معينة ، فهي حتماً ستنتهي يوماً ما لسبب ما.
الصاحب المناسب لك هو الذي تقوم علاقتك معه على الفهم المتبادل في المواقف المختلفة ، هذا الصاحب الذي يجب أن تجعل التمسك به أساساً ، مهما كان الخلاف وسوء الفهم بينكما ، فهو الذي ترتاح روحك للحديث معه ، يفهم نظراتك ، ويقرأ صمتك ، ويسمع منك ما يعجز عنه الحديث والكلام والتعبير ، هو يد العون في وقتها ، يتقاسم معك كل تفاصيل حياتك ، ويخفف عنك الأحزان والهموم ، ويشاركك الأفراح والمواقف السعيدة ، هو خزينة أسرارك ، وهو قيمة غالية لا ينبغي أن تفقدها أو تساوم عليها ، فلا تخسره مهما كان الأمر ، فهنالك أناس بالحياة لا يمكن أن تضعهم في ميزان الكسب أو الخسارة ، فإذا وصلت الأمور الى الخسارة لن يعودوا أبداً ، وخسارتك لهم لن تُعَوض مهما كسبت من الأصحاب ، وستبقى تلاحظ الفرق ، وتفتقد وجودهم في جميع نواحي حياتك، ولن ينتهي ألم الشعور بغيابهم والحاجة إليهم مهما تعددت الأصحاب، فالأصدقاء كُثُرٌ حين تعدهم ولكنهم في النائبات قلة. والأصحاب ليسوا تلك القائمة الطويلة التي تتضمن الأشخاص الذين ممكن أن تعدهم أمام الناس وتفتخر بهم، بل هم تلك الأرواح التي تساندك حتى في أصعب الأوقات، وتفرح لفرحك وتحزن لحزنك وتعيش بشعورك .
صديقك المميّز هو ذاك الذي تعرفه عن قرب والذّي طالما ولابدّ أنّه حدّثك يوماً عما يحب ويكره ، وعن صفاتٍ تجذبه أرادك أن تتحلّى ببعضها وتشاركه إيّاها ، وبعد كلّ هذا هو لا يتحمل منك الإهمال والغباء واختلاف الفهم واللّامبالاة ، أنت تعرف مبادئه وفكره وما يحب وما يكره ، وأنت لا تزال تبرر تكرار أفعال لك هي عكس ما يحب، وتبدأ الحجج والجدال وهو لا يتحمل ولا يطيق ذلك ويعرف المعنى الصحيح ، انت وللأسف تقوم بأفعال تسير بالعلاقة وتدفعها نحو الهاوية ، طريق نهايته معلومة ، قتل الشّغف وحب اللقاء ، فلن تستمر حينئذٍ تلك العلاقة الجميلة ، يجب أن لا نرضى ونقتنع بالبدايات الجميلة ونكتفي ، يجب أن لا نسمح بذبول العلاقة ، بل نسقيها بالماء العذب على الدّوام ، حتى لا يُطاح بها بسهولة ، أو يذهب عمقها وما يقوّيها ، فيذهب منها كلّ ما هو نابع من الدّاخل ، وينعق الغراب معلناً عن الخراب الذي حلّ بالمدينة العامرة ، بعد أن كان الأمل والاستقرار وراحة البال بانيها.
د. يوسف محمود العجلوني
