0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الاختبار الحقيقي للوطنية

كثير من الناس يقول شعراً ونثراً في مدح الوطن، ويجيد الغزل وهو في موقع المسؤولية، ويملك الموهبة في إعطاء الدروس والمحاضرات التي تمجد الشعور الوطني، خاصة إذا أضاف إليه الموقع نوعاً من الهيبة والمكانة بين الناس، ووجد أن الطريق ممهدة له ولأبنائه وأقربائه، وعندما يقول يسمع لقوله، وعندما يأمر ينفذ أمره.. فهذا الأسلوب في مدح الوطن يحتاج إلى فحص وامتحان، لأن كل الذين يحتلون مواقع المسؤولية يجيدون الحديث عن المواطنة والانتماء الوطني. الامتحان الصحيح لحقيقة الانتماء الوطني عندما يوضع الإنسان على المحك في حالة مغادرة موقع المسؤولية، وعندما يأتيه قرار التقاعد أو العزل المفاجىء، وعندما يفقد كل أشكال الهيلمان التي اكتسبها في الموقع، وعندما ينفض الناس من حوله، وقد شعروا بفقدانه القدرة على إصدار الأوامر وفقد كثير من الاحترام المصطنع الذي كان يظهره عدد كبير من المتزلفين والباحثين عن الفتات أو من أولئك الذين يطلق عليهم (صيادو الفرص والمكافآت). هناك عدد من رجالات الوطن نجحوا في الحالتين، نجحوا عندما كانوا في قمة المسؤولية والمواقع الكبيرة، فكبرت بهم المواقع ولم يكبروا بها، وكانوا على علم ويقين بأن المسؤولية عبارة عن موقع لخدمة الجمهور وتقديم العون لمن يستحقها، وإعطاء الوطن حقه أو بعض حقه، فكانوا متواضعين يخفضون جناحهم لأصحاب الحاجات، وما شعروا يوماً بالاستعلاء أو التكبر على خلق الله، وكان يغمرهم شعور المنة لله الواحد الأحد الذي بيده مقادير كل شيء، وهو يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويعطي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ونجحوا في الحالة الثانية عندما تركوا المواقع وغادروا المسؤولية، وظلوا على العهد، وظلوا يتمتعون بخلق الوفاء، وعلموا علم اليقين أن الموقع لا يدوم، وأنه لا بد أن يأتي من يكمل المشوار بعده، مما ضجروا ولا نقموا، ولم يتحولوا في خطابهم نحو الجهة المقابلة، ولم يسلكوا مسلك البطولة الكلامية في الهجاء والنقد غير الموضوعي، وبقي الوطن في قلوبهم ووجدانهم وعقولهم، حتى لو شعروا بشيء من الظلم أو العسف أو نقصان القدر، أو عدم التفهم، لأن الوطن فوق كل ذلك. حب الوطن ليس مرتبطاً بمنصب ولا بموقع، وحب الوطن ليس تمتعاً بالحقوق فقط وبحثاً عن المكاسب، بل إن حب الوطن يزداد مع المعناة، لأن الوطن أكبر من الأشخاص، وأكبر من الأحزاب والفئات والجهات والولاءات الضيقة، والمصالح الشخصية أو الفئوية، وصدق الشاعر العربي الذي يقول : بلادي وإن جارت علي عزيزة ….. وأهلي وإن ضنوا علي كرام ويقول آخر : في حالة السخط لا في حالة الرضا، يبين المحب من المبغض. –