0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

هذا الدم يطهرنا!

يضعنا الدم البكر الذي يريقه فتية وفتيان الانتفاضة الفلسطينية أمام مسؤولية أخلاقية كبرى، تتجاوز تصفيقنا وزهونا وافتخارنا، فما هو مطلوب منا أكثر من ذلك بكثير، نحن الذين نقتات على بطولتهم، وتبعث فينا رجولتهم حرارة جديدة، بعد أن كنا على شفى جرف هار من الكآبة وربما «اليأس» من تغيير حقيقي، في مشهد كان يشهد كل يوم انهيارا جديدا، ونكسة جديدة، وخيبة أمل جديدة، في غير ساحة، ليأتي هؤلاء الفتية الأشاوس ليعدلوا مزاجنا، ويرمموا أرواحنا، ويُحدثوا في دنيانا إيقاعا جديدا طال انتظاره، حتى كدنا نيأس منه! الروح الجديدة التي بعثتها انتفاضة القدس، يجب أن تتردد صداها في أرواح الملايين من الناس الذين فرحوا بها، ولا يكفي هنا أن نعلن «تضامننا» معها وتأييدنا لها، ولا تعقب أخبارها ووضع صورها على صفحاتنا على فيسبوك، ولا كتابة الأشعار التي تتغزل بها، وكل هذا جميل ومطلوب، ولكن المطلوب أيضا أن «ننتفض» أخلاقيا ووطنيا، تماهيا مع من تحرروا من خوفهم وضيقهم وأحزانهم، وقهرهم، فتحركوا باتجاه عدوهم لأخذ حقهم منه، وإذاقته لشيء من كؤوس المرارة التي جرّعهم إياها، مطلوب منا أن نُحدث انتفاضة في أرواحنا، ونفوسنا، فنتخلص من أحقادنا وتآمرنا تجاه بعضنا البعض، إن لم يكن على مستوى الدول والمؤسسات، فعلى الأقل على مستوى الأفراد والجماعات، مطلوب منا، نحن الذين نصفق للانتفاضة وبطولاتها، أن نكون أبطالا أيضا، أو على الأقل أن نتشبه بالأبطال، فننتصر على المشاعر السوداء التي نحملها تجاه بعضنا البعض، فنخفف من أعباء المحاكم التي تضج بقضايا الخصام، ونقبل على بعضنا نتصافى ونتحاب ونتسامح، كرمى لعيون هؤلاء الذين يضحون بدمهم من أجلنا، بل نكف عن الإيقاع بين الأحبة، واحتراف الهمز واللمز، وصناعة العداوات، باختصار، مطلوب منا أن نقوم بانتفاضة أخلاقية واجتماعية كاملة، نصفي فيها نفوسنا، أفرادا وجماعات، ونتحابّ فعلا، فنتطهر من كل رجس وظلم، كما يتطهر شهداؤنا بدمهم الزكي، وهل ثمة أغلى من الدم، إذ يُبذل في ساحات الوغى؟ أهو أغلى من مشاعرنا السوداء، وأحقادنا الصغيرة؟ ما أكثر ما نرى من كتابات تمتدح أولئك الذين يضحون بأرواحهم، وينتفضون على الاحتلال، وما أكثر ما نرى من نقد للحكومات والأنظمة، الذي تخذل الانتفاضة، أليس من الأولى، أن لا نخذلها نحن أيضا، فنرص صفوفنا، وننقي علاقاتنا من كل سواد وظلم وأي مشاعر بغيضة؟ ونعيد بناء علاقاتنا على أسس من المحبة والتصافي والود، كي نكون على مستوى الانتفاضة، في أخلاقنا؟ إنني ومن هذا المنبر، أمد يدي بالاعتذار لكل من أسأت إليه، أو ظلمته، باللفظ أو بالفعل، أو بالكتابة، أو تسببت له بأي أذى، أو بعثت في نفسه أي مشاعر بغيضة، بقصد أو بدون قصد، طالبا منه الصفح،والعفو، والتسامح، وفتح صفحة جديدة، بيضاء من غير سوء، وأخص بالذكر صديقي وأخي النائب المحترم زكريا الشيخ، الذي جمعتني به أيام جميلة، عملنا فيها في خندق واحد، لخدمة أمتنا، كما أتوجه بهذه المشاعر ذاتها إلى كل أصدقائي ومعارفي الذين تعاملت معهم طيلة حياتي، وكل من جمعتني معه خصومة، في ساعة غضب لعينة، أملا في التطهّر من كل ما يشوب حياتي من مشاعر بغيضة، تجاه أناس، خدموا أهلهم ووطنهم، واجتهدوا، فأصابوا أو أخطأوا، بغير قصد، كي نكون جميعا على مستوى، أو قريب، ممن يجود بدمه، من أجل هدف سام وحياة فضلى، ألم يقل برب العزة في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا؟ لننتفض جميعا، كل على طريقته، ولنتطهّر كلنا، من كل ما يحول دون رفعتنا، وأنسنتنا، فما نعيشه اليوم من محن كقطع الليل المظلم، يحتاج إلى ما هو أكثر من التضامن مع الانتفاضة والتصفيق لها .