جدل الهوية والمساواة في الأردن
وممارسة، بين المكونين الرئيسين للمجتمع الأردني (شرق أردنيين وأردنيين من أصل فلسطيني). ويحمل الجدل في الكثير من جوانبه طابعاً مفتعلاً لغايات التوظيف من قبل بعض النخب السياسية.
التعليقات الغاضبة على مداخلة النائب محمد الحجوج في لقاء كتلتي ‘وطن’ و’الوسط الإسلامي’، مع رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة جديدة عبدالله النسور، وما تليها من تعليقات مضادة وأعنفها تعليق نائب رئيس مجلس النواب خليل عطية، أعادت إلى السطح حساسية كامنة وتعتري سلباً (التعايش) المجتمعي الأردني والهوية الأردنية، لتصبح شماعة تعلق عليها أوزار الإحجام عن إصلاح سياسي في العمق.
تفجير ‘دائرة المتابعة والتفتيش’ بالديناميت..
تناقلت بعض وسائل الإعلام الأردنية قبل أيام، خبراً مفاده أن النائب محمد الحجوج طالب بـ’تفجير دائرة المتابعة والتفتيش بالديناميت’. وهي دائرة حكومية تابعة لوزارة الداخلية شكلت عام 1988 بالتوازي مع قرار فك الارتباط القانوني بين الأردن والضفة الغربية، تعنى بالتأكد من هوية ومواطنة الأردنيين من أصول فلسطينية، وصرف بطاقات إحصاءات جسور صفراء لأبناء الضفة الشرقية المقيمين في الضفة الغربية وأولادهم وعائلاتهم، وبطاقات إحصاءات جسور صفراء لأبناء الضفة الغربية المقيمين خارج الضفة قبل صدور التعليمات باعتبارهم مواطنين أردنيين، وصرف بطاقات إحصاءات جسور خضراء للأشخاص المقيمين في الضفة الغربية إقامة دائمة، وتمديد الإقامة لحملة البطاقات الخضراء. و(البطاقة الصفراء) تعني مواطنة أردنية كاملة، بينما (البطاقة الخضراء) تمنح للفلسطينيين الذين يستعملون وثائق أردنية لا تحمل أرقاما وطنية.
ويشتكي كثير من المواطنين الأردنيين من أن عمل ‘دائرة المتابعة والتفتيش’ يحوِّل نصف المجتمع، المنحدر من أصول فلسطينية، إلى مواطنين مشكوك بهويتهم وانتمائهم، وبعد الضجة التي أثيرت حول عمل الدائرة وقيامها بسحب الأرقام الوطنية من بعض حملة (البطاقة الصفراء) أصدرت الحكومة الأردنية السابقة، برئاسة فايز الطراونة، قراراً جمدت فيه عمل دائرة المتابعة والتفتيش واعتبار دائرة الأحوال المدنية والجوازات المرجعية للأردنيين غير الخاضعين لتعليمات ‘فك الارتباط’ وليس ‘دائرة المتابعة والتفتيش’. وجاء في القرار أيضاً ‘إن عملية سحب البطاقة الصفراء أو إعادتها لا تتم إلا بقرار من مجلس الوزراء’.
جواب المعارضين لعمل ودور ‘دائرة المتابعة والتفتيش’ أكد أن قرار الحكومة غير كاف، وطالبوا بـما أسموه ‘نسف بيروقراطية هذا الجهاز من أساساته، وبمحاكمة ومحاسبة كل المسؤولين فيه عن زرع الفتنة في صفوف الشعب الأردني الواحد، متعهدا بأن يعمل على محاسبة هؤلاء’.
اتساع دائرة الجدل..
واتسعت دائرة الجدل واتخذت أبعاداً أكبر بدخول نائب رئيس البرلمان الأردني خليل عطية على الخط بتصريحات نارية طالب فيها الوزراء عبدالله النسور بـ’عدم تعيين أي مواطن أردني من أصل فلسطيني وزيراً في حكومته، إرضاء لبعض المسؤولين والسياسيين المعادين للمكون الفلسطيني في المجتمع الأردني..’، وذلك في سياق رد غاضب على الدعوات التي تتهم كتلا في البرلمان- المقصود الرئيس ‘كتلة وطن’ التي تضم نواباً من أصل فلسطيني- بالسعي للمحاصصة والتوطين.
وأضاف العطية في تصريح لصحيفة ‘القدس العربي’: ‘نحن وجميع الأردنيين الشرفاء حريصون على الوحدة الوطنية ولا تهمنا حصة وظيفية هنا أو هناك، وقلناها عشرات المرات وبكل اللغات: الأردن ليس وطناً بديلاً لأحد، وفلسطين لا نرضى عنها بديلاً نحن كأردنيين من أصل فلسطيني إلا الجنة.. ولتذهب كل المواقع والحقائب والوظائف إلى الجحيم’.
ألا أن البعض يرى أن تصريحات النائب الحجوج، دعوة لإحداث شرخ مجتمعي. حيث رأى الكاتب الأردني ناهض الحتر في مقاله له أن ‘الحجوج يعبِّر عن حقد أسود مختزَن في داخله على الدولة الأردنية. وهو يعتقد، كسواه من نواب التجنيس والتوطين والمحاصصة، أن الحصانة النيابية وحاجة الرئيس المكلّف إلى رضا النوّاب، تمنحانه الحق في التبجح بذلك الحقد، والدعوة إلى ممارسته بالديناميت..’. وأرف: ‘دائرة المتابعة والتفتيش هي دائرة سيادية موجودة لتطبيق تعليمات فك الارتباط مع الضفة الغربية. وهناك طريقة قانونية سلمية وقانونية، لحلها هي تعديل قانون الجنسية الأردنية، بحيث يتضمن تعليمات فك الارتباط، فيتحوّل الملف كله من الإدارة إلى القضاء الذي يمنح لكل ذي حق حقه خارج التسييس. ولو كان الحجوج حريصاً على مصالح المواطنين من أصول فلسطينية، لكان مضى في اقتراح مشروع قانون جديد للجنسية يحدد، بوضوح، معايير الجنسية، لكنه، في الحقيقة ليس إلا من الحاقدين ودعاة الحرب الأهلية’.
واللافت فيما كتبه الحتر قوله: ‘نحن نرفض منطق المحاصصة، كلياً وجذرياً. فهو منطق تدمير الدولة، بينما القاعدة التي ينبغي تثبيتها هي قاعدة الكفاءة والنزاهة بغض النظر عن الأصول والأعراق والأديان، لكن حتى لو قبلنا بمنطق المحاصصة، فإننا سنواجه فوراً حقائق القضية الفلسطينية؛ فالأردنيون من أصول فلسطينية ليسوا بعد، من الناحية السياسية، أردنيين دائمين، فأبناء الضفة الغربية النازحون يشكِّلون جزءاً من أي تسوية تقوم على مبدأ الدولة المستقلة، ولهم حق المواطنة فيها، كذلك، فإن اللاجئين سيكون لهم الحق، في أسوأ الأحوال، بالحصول على الجنسية الفلسطينية. وهكذا، فنحن لا نعرف، منذ الآن، حجم التكوين الفلسطيني في المجتمع الأردني، لكي نعرف حصة هذا التكوين!.. على خلفية المحاصصة، تتضح شهوات الوطن البديل في مطالبات التجنيس لحوالي مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني مقيمين في الأردن، وتجنيس حوالي ستمائة ألف من أبناء الأردنيات الخ. مما يجعل نسبة الأصول الفلسطينية في البلاد، تزيد عن 65 بالمائة، فهل ستكون المحاصصة، عندها، شيئاً سوى الوطن البديل..’.
خطاب يعزز منهجية المواطنة..
لكن تحليلات أخرى لا تتفق مع تحليل الكاتب الحتر، وحسب تلك التحليلات أن تصريحات النائبين حجوج وعطية أتت في سياق اتساع مساحة ‘خطاب يعزز منهجية المواطنة، ويدخل هذه المفردة، التي بقيت دوماً من محرمات النقاش، ولأول مرة في عمق سجالات مربع القرار السياسية خلف الستارة وأمامها، فقد بدأت نخبة من كبار المسؤولين في أجهزة الدولة تستمع لخطابات بلهجة جديدة’. ويعتقد محللون بأن ‘مسألة سحب الجنسيات في الأردن قفزت للواجهة مجدداً مع تشكل البرلمان الجديد، ووصول العديد من الشكاوى لأعضاء مجلس النواب، كما أن توسع السلطات المعنية بالأمر قليلاً في الآونة الأخيرة في سحب الأرقام الوطنية استفز البرلمان الجديد ووضع بين يدي الأعضاء (ذخيرة) مناسبة للضغط على حلقات الحكم والحكومة’.
وفي إسهام بالجدل يعلق الناشط الاجتماعي والسياسي الأردني خالد السرحان: ‘منذ ظهور تيار الحقوق المنقوصة -إذا جاز التعبير بالطبع- في الساحة الأردنية (يسميه البعض تيار المحاصّة)، ووضع الأردنيين من أصل فلسطيني يتأثر سلبياً، ليس على صعيد التمثيل السياسي وحسب، بل على الكثير من الأصعدة الأخرى أيضاً. والحال أننا إزاء أمر طبيعي، فعندما تتعايش فئتان دون أن تشعر إحداهما بتهديد الأخرى لوجودها يبقى التنافس في الحدود الدنيا التي يعرفها الاجتماع الإنساني..’.
ويستطرد: ‘ما زاد في التأثير السلبي للظاهرة هو مجيئها إثر انسداد سياسي في المسألة الفلسطينية، ويقين الجميع بأن حق العودة لن يكون وارداً في أية تسوية مهما كانت، فيما تبدو ملامح تلك التسوية سيئة على نحو لا يفضي إلا إلى التوطين، وتبعاً له الوطن البديل إذا كانت (الديمغرافيا) هي الأساس في اللعبة الديمقراطية. هناك أيضاً ذلك البعد المتعلق بظهور تيار سياسي في أوساط الشرق أردنيين يبالغ – أحياناً بشكل مقصود ونتاج دوافع مختلفة- في ترويج الهواجس المشار إليها، وهو ما زاد في مخاوف تلك الفئة، وعزز لديها الشعور بالمؤامرة القادمة.. ولعل أسوأ ما يمكن أن يترتب على هذا الجدل الجديد هو تعزيزه للموقف السلبي من طرف فئة بحق الفئة الأخرى بعد الحصول على أدلة تؤكد الهواجس الموجودة أصلاً، أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في تأثيرها السلبي على مسيرة الإصلاح ومطالب الفئات التي تشعر بأن ما أنجز أو ما وُعد بإنجازه إلى الآن لا يلبي الطموحات الشعبية، وهي فئات تنتمي إلى سائر الشرائح الشعبية والأصول والمنابت’.
إن الشيء الوحيد المؤكد هو أن الجدل المزمن حول الهوية الأردنية كان وما زال، أكبر خطر يواجه مستقبل الأردن والتعايش المجتمعي فيه، والحل لا يكون بتغذية النعرات بين شرق أردنيين وأردنيين من أصول فلسطينية، بل بإصلاح سياسي وإداري جدل الهوية والمساواة في الأردن. احمد الراشد – وكالة انباء موسكو