أحزاب في خدمة الصوت الواحد
لو كنت من أنصار قانون الصوت الواحد المجزوء، لسارعت على الفور بإرسال برقية شكر وعرفان للأحزاب العشرين التي أعلنت رفضها لمشروع قانون الانتخاب الجديد. فمن حيث لا يدرون، قدم قادة هذه الأحزاب خدمة جليلة، ودليلا قويا على أن أغلبية الأحزاب السياسية في البلاد ترفض القانون الجديد. والبديل المتوفر والمجرب لتجنب الانقسام الوطني إحياء الصوت الواحد بعد تكفينه ودفنه.
لكن ولحسن الحظ أنه وباستثناء حزبين أو ثلاثة، فإن الأحزاب الموقعة على البيان العدمي، لا تحظى بأي حضور في الشارع، ولم يسمع بها غير قياداتها.
وعلى فرض وجود قواعد شعبية عريضة لهذه الأحزاب، فإن قادتها تصرفوا بطريقة غير ديمقراطية. فقبل أن يخضع مشروع القانون للمراجعة والتدقيق من قبل أعضاء الحزب، سارعت القيادات إلى رفضه، دون أن تسمع رأي القواعد.
لكن الأسوأ في موقف هذه الأحزاب، تبنيها خيار القائمة الحزبية على مستوى الوطن. من زرع في رؤوس قادة بعضها أن حظهم بالقوائم الحزبية سيكون وفيرا. ألا يعرفون أن حزبا واحدا فقط هو المرشح لحصد أكثر من نصف مقاعد القائمة الحزبية على مستوى الوطن؟
والمطالبة بنسبة من مقاعد البرلمان للأحزاب، يعني في التطبيق تخصيص “كوتا” لها على غرار الكوتات القائمة التي تعلن تلك الأحزاب رفضها باستمرار، تتنافس عليها وحدها، وتضمن تمثيلها في البرلمان، دون منافسة المرشحين الآخرين.
إنها صيغة تشبه إلى حد كبير “الكوتات” في قوائم القبول الجامعي التي تعتبرها هذه الأحزاب استثناءات غير دستورية، تنتهك حق الأردنيين في الفرص المتساوية.
لقد منح القانون الجديد النشطاء الحزبيين الفرصة لتشكيل قوائم على مستوى المحافظات، ونسج تحالفات واسعة، تمكنهم من المنافسة الحقيقية في الانتخابات، والوصول إلى قبة البرلمان. كما أن بوسع حزب أو أكثر إعلان قائمة مشتركة على مستوى الوطن، تضم مرشحيها على مستوى المحافظات والدوائر، وببرنامج موحد يغطي هموم الناس في كل المواقع.
لكن البعض تجاهل التغيير الجوهري في القانون، وتحرك مدفوعا بحسابات شخصية وسياسية ضيقة، وتبعته أحزاب وقيادات، يجهل بعضها الفرق بين التمثيل النسبي، والنظام الأغلبي، ولا يميز بين القائمة المفتوحة والمغلقة.
ولم يدرك البعض أيضا أن التشوهات العميقة التي خلفها تطبيق نظام الصوت الواحد على الحياة الحزبية والبرلمانية في الأردن يحتاج لمرحلة انتقالية “ثانية” لمعالجتها والتخلص من آثارها السيئة.
وفي اعتقادي أن تطبيق القانون المقترح لدورتين نيابيتين، بالتزامن مع عمل جدي لتطوير الحياة الحزبية، سينقلنا بعد سنوات لمرحلة متقدمة في الحياة النيابية، يكون للأحزاب فيها اليد الطولى.
وإذا ما تمكنت الدولة في المرحلة المقبلة من تطبيق اللامركزية بنجاح، فإن التطور الطبيعي للحياة السياسية، سيأخذنا بشكل أوتوماتيكي، نحو تطوير قانون الانتخاب.
لنترك عملية الإصلاح تتطور بشكل تدريجي. حرق المراحل أشعل النيران في بعض الدول من حولنا. وفي اللحظة الأردنية الراهنة، ليس أمامنا سوى خيارين؛ إما القانون المقترح والتقدمي بكل المعايير، أو العودة للصوت الواحد. لايوجد خيار ثالث.. صدقوني.