0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

العجلوني يكتب.. الدنيا دوارة

وكالة الناس – كتب. د. يوسف العجلوني – الدنيا ليست مضمونة ولا تدوم لأحد ، والأيام تتغير وتتبدل مابين صاعدٍ ونازلٍ ، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك ، ولا يبقى على ما هو إلا هو ، وممكن بأي لحظة تجد نفسك في مأزق أو حادث أو منعطف ، وينقلب كل شيء ، ولا تعرف إلى أين تسير ، وأين موقعك وماذا تريد ، وتجد نفسك ترغب بالعودة إلى نقطة الصفر فقط.

شعورنا ليس بالمضمون أيضاً ، فقد تتبدل مشاعرنا وتتغير تلك العلاقة التي كانت تربطنا بشخص ٍ ما ، أو مكان أو زمان ما ، الأيام والأحداث والتجارب المؤسفة قادرة على أن تحوّل أجمل المشاعر إلى أسوأ ذكريات ، وقادرة أن تحوّل الصديق الودود إلى بغيض منبوذ ، وقد يحدث العكس أيضاً، لتثبت لنا الأيام بظروفها وتقلباتها أن من كنا نظنه يوماً عدواًً هو صديق محب والعكس تماماً، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وابغض بغيضك هوناً ما ، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ، فلا عجب أن تدور عجلة الأيام ويتغير كل شي من حولك من حال إلى حال. فلنحرص قدر المُستطاع أن نحافظ على من نحب وما نحب من أشخاص وأشياءٍ هي النبراس المنير في عتمتنا ، والشمس الساطعة في نهارنا.

الأصل والصحيح والمنطق أن تكون إيجابياً ، وتستمتع بحياتك حسب ما تراه أنت مناسباً ضمن ما لا يمس حريات الآخرين ، واعمل الجميل في كل مكان ، لأن الدنيا لا تدوم لأحد. كم من إنسان كان البارحة في هناه واليوم عزاه ، كم من استلم منصباً وتركه واستلمه آخر غيره ، كم من صاحب مال وفقد ماله ، مليئةٌ الدنيا بالقصص والأحداث والتغيرات فرحاً وترحاً؛ لذلك الحكيم لا يغتر بمالٍ ولا بمنصب ٍ ولا بصحة وقوة ، ولا يتعالى على أحد ، ويتواضع ويحسن إلى الناس جميعاً دون استثناء ، ويعيش بسمعة طيبة دون إعتداءات أو عدوات مع أحد.

اذا ما استلمت منصباً يوماً مهما كان حجمه فاعلم أن لكل شيء تعمله ردة فعل ، وأنت من يختار الطريق ويحدد ما سيعود لك من ردة فعل ، وبالتأكيد هو ما زرعته أنت. ويجب أن تعرف أن المنصب لو دام لغيرك ما وصل إليك ، فلا تؤذي أحداً ولا تنقص من قدر أحد، ولا تظلم أحداً ، لان الدنيا دوارة ، ويجب أن تدرك هذه الحقيقة قبل فوات الأوان.

إذا ما كان الإنسان ظالماً لمن حوله ، أو تعدى على حقوق غيره ، أو كان قاسي القلب او استخدم سلطة المنصب بطريقة خاطئة ، فسوف يُسعد لفترة قصيرة من الزمن ، ومن ثم سيعاني كثيراً. فهو بغباءه وعمى قلبه ينظر الى الجزء البسيط الآني من الأحداث ولا يتعمق في الأبعاد المستقبلية وامتدادها ونتائجها ، ولكن سرعان ما تنقلب عليه الدنيا ، دون أن يكون بمقدوره تجنب آثارها.

ما تراه أنت صائباً ، قد يراه البعض غير ذلك ، والإختلاف في الآراء والأفكار يعتبر من الأمور الصحية التي يتقبلها الحكماء أصحاب الفكر والنية الحسنة ، التنوع في الفكر والرأي في بيئة العمل هو أمرٌ طبيعيٌ ويجب استغلاله إيجابياً للتطوير والإبداع ، وليس لخلق عداوات للتعدي على الكفاءات.

من يتمرس بالحياة سوف يتعلم ان لا يستهين بأى إنسان ، وان كان موظفاً عنده ، او صغيراً بالسن ، وليعلم أن إحترام الناس واحتوائهم واجب ، فيجب أن يعمل معهم الخير ، ويتصرف بالأصول ، حتى إذا ما احتاجهم يوما سيجدهم ذاكرين الجميل والكلام والمعاملة الطيبة.

هناك أشخاص ينسون الفضل ، ويعتقدون أن سلطانهم ونفوذهم باقٍ ، ويصرون على البقاء في الجانب السيء من الغرور والنفخة الكذابة الممتلئة حماقة وغباء ، هؤلاء فئة ينكرون كل عمل لا يتوافق مع أهوائهم وقراراتهم ، وهذه النوعية قادرة فقط على توفير البيئة المناسبة لشاكلتها من الكلاب والأنذال التي تعشق الحقد والحسد وتزوير الحقائق والإساءة للمؤسسات والوطن.

هناك إدارات تتميز بالحمق والظلم والتسلط في العمل ، وتصنع الصراعات والمطبات والمكائد والزور والتمثيل والإدعاءات والإستعراض ، وتتقن الإنجازات الشكلية المدونة فقط على الورق، لترضي من هم أعلى منهم من المسؤولين ، ولكن مع الوقت تنكشف الأمور للجميع وتفضحها الأيام ، وتكون هي قمة الانحطاط والسبب في هدم المؤسسات في الدول التي تعاني من ضعف الرقابة الإدارية أو فسادها.

الناس أنواع ومعادن : فمنهم من يغيِّره المال والمنصب ، ويفقدهم توازنهم لأنهم غير مؤهلين لذلك ،حيث ينقصهم الإنتماء والحرص على مقدرات الوطن، ولا يردعهم الدين ولا المنطق ولا الأدب في الظلم والجور ويتصرفون وكأنّهم يمتلكون الدنيا وما عليها ، فيخرجون بقرارات هادمة نتيجتها وخيمة، وبالمقابل هناك أناس لا يستطيع المال ولا المنصب أن يمس ثوابتهم وقناعاتهم ، ولا أن يزحزحهم عن الطريق المستقيم مهما كان الثمن ، ودائماً ينظرون للأفضل ، وهمهم المصلحة العامة ، ولا يبيعون أنفسهم وأخلاقهم مهما كانت المنافع ، ولا يخافون في قول الحق لومة لائم. بوجود هؤلاء يتحقق العدل ، وتملأ السكينة والطمأنينة نفوس العاملين معهم وتزدهر وتتقدم المؤسسات الذين يترأسوها.

كثير من المسؤولين الذين تولوا مناصب ، تغيَّرت شخصياتهم الى السيء من الخلق ، فبعد أن كان متواضعاً ، يعامل زملاءه وكأنهم إخوانه ، أصبح متعجرفاً يعامل الموظفين بكل عنجهية وغرور وتكبّر ، والكارثة عندما يُصر هذا المسؤول على الإستمرار في السلبية ، ولا يجد من يصحح مساره ، عندئذٍ سيؤدي ذلك إلى إدخال المؤسسة بكاملها في حالة ضعف وتأخر وخراب ، وفي النهاية تنتهي المؤسسة رغم أنها كانت في وقت سابق من أنجح المؤسسات.

هنالك أناس أخذتهم المحسوبية والمصلحة الشخصية ودعتهم يظلمون غيرهم في مجال العمل ، ويضيعون الفرص عليهم في الترقيات ويسبببون لهم الإحباطات ، رغم كفاءاتهم وقدراتهم ، ونشاطهم ، ولكن الدنيا دوارة والظلم ظلمات في الدنيا والآخرة.

عندما يصل الظالم إلى أقصى مراحل الظلم والبطش يُسخّر الله جنود السموات والأرض ليردع هذا الظلم عن عباده ، فمهما بلغ الإنسان من الجبروت والكبرياء ، فإن الهلاك والعقوبة هي مصير كل ظالم خان الأمانة وصعد على أكتاف المظلومين، وتناسى قدرة الله عز وجل عليه.

الطبيعي أنه كلما وهب الله الإنسان من قيمة وملذات في الحياة أن يتغيّر هذا الإنسان للأفضل ، ويتطور فكره وشعوره بالآخرين، وينظر للقريب والبعيد بطريقة سواء ، ولا يغيّر مبادئه الطيبة ، ويحاول أن يسعد غيره ، ويزداد رحمة بالناس ، ويساهم في كل الأمور الإيجابية ، فلا يحقد ، ويسامح ويتصرف بكرم أخلاق ومحبة وإنسانيه. ولكن قد تكون النتيجة عكسية أحياناً، حيث يجحد البعض ويتمادى في العصيان والظلم كلما مَنَّ الله عليه بالنعم.

الدنيا تعكس كل ما تصنعه أنت ، وتعيده إليك بأشكالٍ مختلفة ، بالمثل بل فأكثر ، سواء كان صنيعاً إيجابياً أو صنيعاً سلبياً ، فما قدمته بالأمس من معروف أو فعل طيب سيعود إليك يوماً ما ، وما تقدمه من مكائد وخدع وفتن وإيذاء للناس سيعود عليك أيضاً. اعلم أن الدنيا دوارة وأشد جزاءً وأشد انتقاماً وقسوةً وأكثر إيلاماً على الظالم والنذل ، الذي يخسر أشياءً عديدة لا يشعر بها إلا بعد زمن وحين فوات الأوان .

يا ليتنا نتعلم من هذه الدنيا الفانية ، أن الإنسان سوف يرحل مهما طال عمره ، لذا يجب أن يعامل الناس معاملة حسنة ، فلا يجرح أحداً مهما كانت الأسباب، ولا يغلط على أحد ، فالدنيا دوارة ، ستدور عليه مع الأيام والجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تُدان.

قال تعالى في محكم كتابه:
“ولاتحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ”

وكما قال الشاعر:
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدراً
فَالظُلْمُ مَرْتَعُهُ يُفْضِي إلى النَّدَمِ.
تنامُ عَيْنُكَ والمَظْلومُ مُنَتَبِهٌ
يدعوعليك وعين الله لم تنم.

وأخيراً أقول: إذا إختلفت مع أحد ، وتخاصمت معه، وكنت تملك القدرة عليه ، فلا تستقوي عليه لتضره أو حتى تجرحه بكلمة أو تكسر بخاطره؛ الدنيا محطة عبور ، فلا تسرق فرحة أحد ، ولا تقهر أحداً. أعمارنا قصيرة ، ستُدفن مهما كانت قيمتك ، وستُنسى مهما بلغت مكانتك ، لذلك اصنع اثراً جميلاً بحسن خلقك ، وعوّد نفسك أن تتعامل باحترام وإنسانية وتفاهم وتسامح مع الجميع ، فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها.

د. يوسف العجلوني