العجلوني يكتب.. شخصيتك مع التقدّم بالعُمر “نحو حياة أفضل”

وكالة الناس – د . يوسف العجلوني – خلال مراحل الحياة والتقدم بالسن ، هنالك تغيرات كثيرة لا بُدَّ من مواجهتها وأهمها التغيرات في الجسد والتغيرات في الشخصية ، فلابُدّ أن تتبدل أحوالنا ؛ نحن نتنقل من وظيفة إلى أخرى ، ومن مكان سكن إلى آخر ، وقد تنتهي بعض العلاقات التي تربطنا ببعض الأشخاص، وتبدأ علاقات أخرى ، ويكبر أولادنا ويتسع تفكيرنا ، وقد يتغيّر أقرب الناس إلينا ، ويموت أعز الناس علينا من الأهل والأصدقاء ، فلابدّ أن تتغير نظرتنا لكل شيء ؛ أكيد نحن أنفسنا نتغير ولسنا نفس الشخص طوال حياتنا.

من التغيّرات الجسدية التي تًصاحب التقدّم في العمر : ظهور التجاعيد والشيب ، وضيق مجال الإبصار وصعوبة الرؤية ، وضعف السمع ، وضعف حاسة الشم والتذوق ، ويضعف الإحساس بدرجات الحرارة سواء الساخنة أو الباردة ، وتحدث تغيّرات في الصوت ، وتقل وظيفة القلب ، وتصبح العظام أرقّ، لذلك يمكن أن يصبح الإنسان أقصر قليلًا ، وتضعف البنية ، وتقل الطاقة ، وتظهر الأمراض المختلفة ، وهذا أمر عام وحتميٌّ على جميع البشر.

الشخصية أيضاً تتغير مع العمر وبشكل تدريجي وممكن أن تتغير فجأة في بعض الحالات والأحداث القاهرة والصدمات التي تحدث دون سابق إنذار ؛ ودرجة التغيّر بالشخصية ونتائجها يعتمد على درجة التأقلم مع المستجدات، والمرونة في الشخصية التي تختلف من إنسان إلى آخر.، إلا أن هذه المرونة تنخفض مع العمر، فيصبح التغير أصعب ، وقد تبقى بعض الشخصيات مرنة مهما تقدم بها العمر ، وهذا يعتمد على القدرة العقلية والثقافة والمعتقدات والإدارة وطريقة التفكير.

تتكون الشخصية من الأفكار والمشاعر والسلوكيات والمظهر التي ينفرد بها الشخص ، وهي لا تبقى على حالها في مختلف الأعمار ، وذلك بسبب التطورات التي تحدث مع الأيام ، وبسبب تغيّر من حولك من الأهل والأصحاب والمهنة ومكان العمل والمستوى الفكري والتعليمي والإجتماعي.

في حين يفتخر البعض أن شخصيته ثابتة لا تتغير ، إلا أن الشخصية حقيقةً بكل سماتها ممكن أن تتغير مع مرور الزمن مثل: النفس ، و الضمير ، وردود الفعل ، والنشاط والإصرار ، والهدف ، والرغبة في التفوق ، وبعض المبادئ ، و المزاج ، وطريقة اللباس ، واسلوب الكلام ؛وحتى الأخلاق ممكن أن تتغيّر سلباً أو إيجاباً ، ممكن أن نصبح أكثر وعياً وقبولاً للآخرين وأقل عصبيةً ، وأقل ميولاً للمشاكل وتقل السلوكيات المعادية للمجتمع مثل الجنح والجرائم ، وممكن أن تبدأ لدينا العصيبة ، والقلق والاكتئاب ، ونكون أعداء للمجتمع ونستبيح كلً شيء. ومع تقدًمنا بالعمر سَتقِل قدرتنا على التحمّل ، فنصبح مرهفين الشعور ، حساسين ، تَجرَحُنا الكلمة.

مع الوقت ، يجب أن نكون أكثر ثقة بما نفعل ، يجب أن تزداد قوة إرادتنا نحو العمل المثمر والإنجاز الفعلي والحياة الأفضل ؛ يجب أن نُحب أنفسنا أكثر ، ونعطيها قدرها من الراحة ، يجب أن ينمو إحساسُنا بالفكاهة ونُوجِد الوقت المناسب للاستمتاع بها ، يجب أن نمتلك قَدَراً أكبر من التحكم بالعواطف والتصرفات ، يجب عدم التحسس من كلام وتصرفات الآخرين ؛ يجب أن نكون أكثر تاقلماً وتكيفاً مع الظروف والمجتمع.

إنً نضج الشخصية شيءٌ طبيعي ومنطقي ، وهو تغيير محسوس مع العمر ، ويتم بأعمارٍ مختلفة ومتباينة من إنسان لآخر ، وذلك حسب العوامل الوراثية والنشاة والبيئة المحيطة ، وحسب التحديات التي تفرضها علينا الحياة ، أو بفعل الضغوط المهنية والمالية والإجتماعية والمفاجآت.

هناك علاماتٌ لنضوج الشخصية مع العُمر عند المرأة والرجل على حدّ سواء ؛ الآن لم تَعُد تهمنا الأحاديث السخيفة وأصبحت مزعجة ، الآن نُفضّل الراحة والبقاء في البيت على الذهاب إلى المناسبات والحفلات ، الآن نعترف ونرتاح لتفضيل الأنسب بالنسبة لنا دون القلق من كلام الناس وإعتباراتهم ؛ أصبحنا أكثر قدرةً على مسامحة الناس من السابق ، والميل أكثر لعدم الإحتفاظ بأي أحقاد ، الآن نستطيع الإنفتاح على الحياة من كافة الابواب ، ونتقبل الآخرين كما هم ، وعندنا المرونة الكاملة للتعامل بكافة الوسائل مع الآخرين ، ونستطيع تَفهّم أخطاء البشر وإعتذارهم أو إصرارهم عليها ، الآن نتقبل ونحترم الإختلافات بين الناس ، ولدينا القدرة على إمتصاص الصدمات وإحتواء المواقف ؛ الآن أفضل لنا البُعد عن كل المنغصات والناس السلبيين ، الآن لسنا بحاجة أن نُجبر أنفسنا على حُبّ أحد ولا نُجبر أحداً على حُبِّنا ، الآن نحن جاهزون ومستعدون لتقبّل الفرح والألم ، لا نُطلق الأحكام على الناس بسرعة ونحترم رأيهم ومعتقداتهم ، وقد نُفَضّل الصمت على الدخول في نقاشات عقيمة لا تُقدّم ولا تُؤخِّر ، ولدينا القناعة بما نحن فيه وموقنين بأن السعادة لا تعتمد على ما نملك ولا على الآخرين ، بل على شخصية الإنسان نفسه ونظرته للحياة.

مرت السنون ونحن الآن في مرحلة النضج الفكري ، حيث أننا قادرون على هضم واستيعاب أمور الحياة وقضاياها المعقدة والمتعددة الأبعاد بشكل أوسع وأفضل ، نحن الآن في مرحلة سداد الرأي والحنكة والنباهة ، نتصرف ونتدبر الأمور بشكل صحيح ، ونغتنم الفرص في وقتها ، وهذا كلّه يعتمد على ما مررنا به من تجارب ومصاعب ومواقف وأحداث.

درجة النضج الفكري عند الإنسان ترتبط طردياً بمخزونه المعرفي ومهاراته الحياتية التي كلما زادت وتركزت زاد معها إدراك المرء لحقيقة كل شيء في الحياة ، كما ويرتبط النضج الفكري أيضاً بمدى التصالح مع الذات ، ومع قبول التغيرات والتصورات والآراء ، فيكون استواء التفكير والقدرة على القرار بدقة وصواب ، وهذا ما يسمح ببروز شخصية قوية مستقلة غير تابعة لغيرها ، شخصية تتفاعل مع الأحداث بصورة طبيعية ، وتؤثر وتتأثر بالآخرين دون أن تتيح لهم الفرصة للسيطرة عليها ؛ شخصيةٌ ناضجة تتصرف بشكل إيجابي مع المحيط العائلي والبعيد ، وفي نفس الوقت ، لا تسمح لأحد ان يتدخل فيها أو أن يُفكّر مكانها ، أو يحدّد رغباتها ولا أن يُقرر لها ما يناسبها ، ولا ما يجعلها راضيةً وسعيدةً.

يستطيع الإنسان أن يعرف مقدار نضج تفكيره أو فيما إذا بلغ ذروة النضج من خلال مؤشرات هي: التصرفات ، و رُدود الفعل ، وطبيعة الخلفية الفكرية ، ونظرة الإنسان لذاته ، وتعامل الفرد مع المحيط الخارجي.

عندما نبلغ الخمسين من العمر ، نكون قد مررنا بتحولات لا يُستهان بها على الصعيد الشخصي ، فتُصبح شخصياتنا أكثر قدرةً على الصبر والتحمل والتوافق الإجتماعي ، ويزيد الإحساس والإنتباه للضمير ، كما تزداد قوة الإرادة لدينا ونتسلح بقدرة أكبر على التحكم بعواطفنا ، الآن نحن أكثر تحملاً للمسؤولية ، وأكثر قدرةً على مواكبة تحديات الحياة ، أنت الآن تعمل والإبتسامة لا تفارقك ، فخوراً في تحقيق إنجازاتك ، وتتذوق وتتمتع بالفوز بشكل أكبر ، أنت الآن أصبحت تعلم أن الحياة قصيرة ولا بُدّ أنها زائلة ، أنت الآن تعيد إكتشاف نفسك من عدة نواحي ، وتستثمر قدراتك وخبراتك أكثر ، أنت الآن تتوجَّه الى الطريق الأكثر راحة وتميل إلى الاستمتاع بأشياء لم تجد لها الوقت الكافي في السابق ، أنت الآن تُحوّل الغضب إلى طاقة إيجابية يُلاحظها الجميع ، أنت الآن أكثر سيطرةً على وضعك النفسي والمادي والإجتماعي ، أنت الآن أكثر حذراً، وتتجنب الخيارات الخطرة في كل شيء ، أنت الآن تفكّر في جميع الإعتبارات والمفترقات لتتخذَ قراراتك بعناية وحذر.

لا تتتظر الأيام كيف تسير ، بل إسعَ لحياة افضل ، وهنالك أشياء لا تهملها واجعلها منهجك اليومي؛ فكر وابقى إيجابياً وممتناً بما تحصل عليه ، اعطِ وقتاً لممارسة الرياضة ، والتأمل ، والقراءة ؛ إرتبط بعائلتك أكثر ، وخطط ببساطة ليومك ، إعمل ما تُحب متى أردت ، ولا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد ، اترك وراء ظهرك ما مر بك من أحداث سيئة ؛ انسى الأشخاص المزعجين والخبيثين ، وحافظ على أهداف محدّدة سهل الحصول عليها ؛ اهتم بما يسعد قلبك ،و لا تنتظر مقابلاً لِما تقوم به من أعمال للخير ؛ لا تنتظر مصلحة من أحد ، لا تشكو شيئاً لأحد إلا لله ، دَع ما لا يعنيك ، حاول أن تبقى متفائلاً مهما حدث ، وكن شاكراً ، دع الخلق للخالق ، ولا تُقارن نفسك بالآخرين وما يملكونه؛ لأنه سيكون هناك دائماً من لديه أحسن مما لديك : وظيفة ، أو راتب ، أو منزل ، أو سيارة ؛ إعمل على نفسك لتحقيق هدفك وحلمك ، حدّد أولوياتك في كلّ شيء ، لا تسعى لأشياء تُخسرك من وقتك ومالك وحياتك أكثر من قيمة الحصول عليها ، وحتى لو حصلت عليها فلن يبقَ لك المتسع من الوقت لتستمع بها.

د. يوسف العجلوني