العجلوني يكتب.. الصحبة السيئة سقوط وفشل وهي مسالة وقت ليس اكثر
وكالة الناس – كتب. د. يوسف العجلوني – الصّداقة مطلب ضروري وممتع للحياة، يبحث عنها كلُّ حي، وهي تتمثل بعلاقة المودّة والمحبّة والاحترام المتبادل والانسجام في أمور مختلفة، دون تصنعٍ ولا تكلّف ولا تردد، ولا مصالح أو غايات أخرى.
الصّداقة هي تلك الشجرة الجميلة التي يجب أن نسقيها بالحب والإخلاص والوفاء بإستمرارٍ وتكرارٍ لتقوى جذورها، وتُزهر أغصانها وتكون قادرةَ على الإنتاج والعطاء ويكون الثمر وفيرا” ولذيذا”.
لا شك أن الإنسان يتأثر بمن يتعامل معه وخصوصا” الاصدقاء، ويكتسب من أخلاقهم ويتبنى أفكارهم ويتطبع بأطباعهم وحتى طريقة كلامهم ولباسهم ، ولذلك يُعرف الشخصُ من صاحبه، ومن هنا يجب على الإنسان أن يكون حذراً في اختيار أصدقائه، حيث يقول المثل “قل لي من صاحِبُك أقل لك من أنت”.
الصّديقُ الجيدُ الصالح هو شخصُ داعم في كل الأحوال وقدر المستطاع، مادياً واجتماعياً ومعنوياً، هو مصدر ثقة ولا يُفشي أسرار صديقه مهما حصل بينهما من مشاكل أو ضغوط، لا يجرح صديقه أو يتسبب له بالإحراج بأي قول أو فعل، يحترم صديقه في الرأي والأفكار والتطلعات والنتائج.
الصديق الجيد هو شخص محب ومخلص في كل أوقاته وظروفه، رفقته ممتعة، وترتاح معه نفسيًا وعقليًا وتشعر بأنه يكمّلك، يبكي لبكاءك ويفرح لفرحك، يأمرك بالخير ، وينهاك عن الشر، ويُسمِعك الكلام الجميل من العلم النافع والقول الصادق والحكمة البليغة، ويعرِّفك عيوب نفسك، ويُبعدك عمّا لا يعنيك، لا يمل قُرْبَك، ولا ينساك حين البعد، ويقبح لك المعصية، وإذا رأى منك حسنةً عدّها وإن رأى سيئة كتمها وسترها، هو زينةٌ في الرخاء ، وعدّةٌ في الشدة.
يُعرّفك على أصدقاء الخير والأصول والمحبة والانتماء، فتزداد المعرفة والاستفادة والاقتداء بسلوكهم وأخلاقهم واستقامتهم، فيكونَ لك دربَ الأمان والطمأنينة والسلام.
الصديق الجيّد يَقبلك ويحبك كما أنت، ويقف معك في السرّاء والضرّاء، ويشاركك أفراحك وأحزانك ويُخفف عنك آلامك، ويتحمّل تقلّبات مزاجك من الغضب والحزن واليأس والإحباط ويفسرها بحسن نية وايجابية، وهو ذلك البعيد القريب، الذي كلما احتجته لبّى نداءك، وأسرع لنجدتك وإخراجك مما أنت فيه من هم وضيق،واحياناً يبتعدُ عنك مسافةً ليُعطيك مجالاً للخصوصية، ولتبقى مع نفسك في الأوقات التي تحتاجها بين حين وآخر لتنعم براحةٍ وهدوء.
إن الصداقة الزائفة، والمحبة المصطنعة المبنية على تحصيل المصالح، وجلب المنافع الشخصية تكون هشةً وضعيفةً وغير مستقرة، فإذا هبت عليها رياح المصلحة، فرّقتها ومزّقتها، لأن أساسَها وأصَلٍها غيرُ ثابت.
صديق السّوء هو عادةً شخص أناني، لا يحب الخير للآخرين، يستنزف طاقتهم، وينافسهم في كل شيء، ولا يحترم خصوصيتهم، ويتكلم ويتصرف بوجهين،يغار من أصدقائهم الآخرين، ويحاول أن يتدخل ويفرق بينهم،دائم الانتقاد، ولايتعاطف مع شعورهم او ظروفهم، وهو ليس اهلا للثقة، ولا يُعتمد عليه، لا ينسى زلات صديقه ولا يغفرها، حتى لو قدّم له ألف اعتذارٍ، فهو سيء الظن، وغير قادر على المسامحة، تجده كذاباً مخادعاً، هو صديقُ مصلحة، انتهازي ومستغل ومتسلق، حسود وغشاش.
الصديق السيء يؤثر على الاستقرار العقلي والعائلي والاجتماعي مع مرور الوقت، وقد يتسبب بمشاكل مختلفة، وقد يضر صديقه في عدة نواحي؛ يعطي النصائح السيئة المضرة والمسمومة، ويضفي على المواقف سلبيّة وخوف وتردد، ويشجع على السلوكيات الخطيرة كالسرقة وعدم احترام الآخرين والتّمرّد على الواقع والمجتمع والأهل، ولن تجني منه إلا السمعة السيئة؛ وإذا حدثك كذب، وإذا ائتمنته خانك، وإذا ائتمنك اتهمك، وإذا أنعمت عليه كفرك، وإذا أنعم عليك منّ عليك.
الصّديق السيء يرفع من
مستويات التوتر والقلق والانزعاج والتعب عند الاخرين، ويزيد احتماليّة الإصابة ببعض الأمراض النفسيّة كالإكتئاب والحزن الشديد والرهاب وانفصام الشخصيّة والملل من الحياة، والأمراض الجسديّة مثل الضغط والسكري وجلطات القلب والدماغ والموت المفاجئ.
الصديق السيء يُسبب ضرراً حقيقياً لمن حوله، ويسعى لجرّ أصدقائه لمشاركته في سلوكه الغير سوي، وينجو بنفسه ويهرب ويتخلى عن اصدقائه؛ لا يستطيع الوقوف والثبات عند مواقف الرجولة والشهامة.
صديق السوء ممكن أن يكون من الأشخاص الأذكياء جدًا ويختار اصدقاء من ذوي الشخصيات الضعيفة لسهولة قيادتهم وجعلهم أتباعاً له، ويكون بذلك هو المسيطر والموجه؛ فيلعب الشيطان بهم كما يشاء، وتكون متعته بممارسة كل عقده النفسية على أصدقائه، ويُظهر السيادةَ والقيادةَ أمامهم، وهو بالحقيقة حقير ونذل.
صديقُ السوءِ إنسانٌ لا يتطابق مع المجتمع السليم، لأن أخلاقه وسمعته رديئة، ويؤذي الجميع، ويمكن أن يحرّض أصدقاءه على عدم متابعة تعليمهم، وعدم طاعة والديهم، وكذلك يحرضهم على عدم استماعهم لنصائح من هم أكبر منهم سناً، وبذلك يتفكك المجتمع وتتفكك الأسره وتتارجح العلاقات نفسياً واجتماعياً، مما يؤدي إلى حياة غير طبيعية وغير هانئة، وممكن ان يكون سبباً في توريط أصدقائه بأمورٍ تصل إلى حد الانحراف السلوكي والاخلاقي وارتكاب الجنايات.
لذلك يجب علينا أن نحسن اختيار اصدقائنا ، لنكون في مأمن عن الانزلاق في المشاكل والمتاعب، والإبتعاد عن الهموم والعثرات على كافة الأصعدة، وعلينا الإنتباه ايضاً لكي لا نقع فريسة لمكائدهم وأفعالهم السيئة، ويجب الإبتعاد عن صديق السوء وعدم مرافقته لأنه إنسان لايهتم بما يفعل من أمور سيئة ولا يأبه بسمعته بين الناس وبين أفراد مجتمعه. فقد يدفعك الى الرذيلة فتصبح منبوذاً من أهلك ومعارفك ومجتمعك الذي تربيت فيه.
واعلم أن الاهتمام بنوعية الأصدقاء في حياتناسيؤدي إلى تاثير كبير على السلوك والشخصية وجودة الحياة ، فالصداقات الجيدة تنعكس بشكل مباشر على الاستقرار النفسي والاجتماعي ، واختيار الاصدقاء ذوي الاخلاق الحسنة يجعلنا أشخاص ناجحين متميزين ومفيدين لأنفسنا ولمجتمعنا ، لأن الصديق الذي نصادقه يعكس صورة أخلاقنا. والمعروف ان الصحبة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها طيب وفرعها طيب وثمارها يانعة لذيذة ، بينما الصحبة السيئة كالشجرة الخبيثة أصلها سيء وفرعها سيء ولا ثمار فيها سوى السوء والندم ، أبعد الله عنا رفاق السوء وليجمعنا الله بمن هم أهل للصداقة والمودة.
واخيراً اقول و دون تردد: يجب عليك اختيار الصديق من الناس كما تختار اللذيذ من الطعام ، والسائغ من الشراب ، فإن أهل الشر والدناءة لا يدخرون لك إلا شراً ودناءة، واعلم أنه ليس كل من كان جميل اللسان عذب الكلام دائم الابتسامة بصديق ، فلربما أعجبك ملمس الثعبان ولكنه ربما لدغك.
إن صحبة العقلاء الأخيار المثقفين الصادقين ذوي الفكر والمعرفة تزيد من الاستقامة والصلاح والمعرفة الطيبة، لنصل بأنفسنا إلى أعلى مستويات الرقي والتقدم والنجاح والتي نقطف ثمارها في الدنيا والآخرة.
وبعد هذا العمر والعديد من التجارب والظروف الحياتيّة التي مررتَ بها ستكتشف مَن هو صديقك الحقيقي والذي سيبقى معك بقية حياتك وسيشاركك لحظاتك الحزينة والجميلة معاً.
أنت في الناس تقـاس بالذي اختـرت خليـلاً.
فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكــراً جميــلاً.
واحذر مؤاخاة الدنيء لأنه يعدي كما يعدي الصحيحَ الأجربُ.
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً إن القرين إلى المقارن ينسب.
عن المرء لا تسأل وسل قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي.
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي.
د. يوسف العجلوني
