أمسية مفعمة بالأجواء الرمضانية في بيت الشعر بالشارقة
وكالة الناس – في أجواء رمضانية هبت نسماتها على قصائد الشعراء فضمختها بنفحات وروحانيات الشهر الفضيل، احتضن بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة مساء الثلاثاء أمسية شعرية حلق فيها الشعراء بقصائد تراوحت تجلياتها بين الشدو لرمضان وأجوائه الإيمانية النقية، وبين التغني بحب الأوطان وأوجاعها والشوق لها، وحضر الحب بكل جماله وإنسانيته كغرض أساسي، وشارك في الأمسية كل من الشعراء، أميرة توحيد من مصر، وجمال الجشي من فلسطين، و د. خليل الرفوع من الأردن، و د. عبدالرزاق الدرباس من سوريا، ويونس ناصر من العراق، وذلك بحضور الشاعر محمد البريكي مدير البيت وجمهور كبير من الشعراء والإعلاميين والمهتمين، وأدار دفتها الإعلامي عثمان حسن، الذي استهل الأمسية باستذكار سيرة الشاعرين عمر أبو سالم ونايف الهريس اللذين انتقلا إلى الرفيق الأعلى قبل أيام، وأشاد ببيت الشعر في تنظيمه للأمسيات الشعرية ومنها أمسيات شهر رمضان.
افتتحت القراءات الشاعرة إيمان توحيد بقصيدة نورانية الحرف مرفوعة إلى مقام المصطفى عليه الصلاة والسلام، داعية إلى محاولة الشعور بما تشعر به من اكتفاء وارتواء يستقي من معين النور، معنونة قصيدتها بـ “لو تشعرون” في محاولة ذكية لاستخدام عتبة العنوان في إثارة فضول الحضور، وشد انتباههم. جاء فيها:
قبسٌ تهذبتِ النفوسُ على يدي
ـــهِ وأشرقتْ أرواحنا من سرّهِ
مشكاةُ حقٍّ بعثرتْ سحبَ الدُّجى
فتلألأتْ هذي الدُّنا من فجرِهِ
وتلونتْ تلك السماءُ بزرقةٍ
خلّابةٍ طُبِعتْ بزرقةِ بحرِهِ
ماءٌ على عطشِ النفوسِ إذا همى
تخضرُّ جناتُ الهوى من خيرهِ
واتحفت الشاعرة الحضور بقصيدة أخرى، جاءت روحانية هائمة في ملكوت المحبة بعنوان ” تشتاقك الأنفاس”، جاء فيها:
ونثرتُ فوقَ الغيمِ حبَّاتِ الدُّعا
حتى تنزَّلَ غيثُهُ بجوابِ
وعلى براقِ العفوِ قد عرجَ الفؤا
دُ إلى فضاءِ الحبِّ دونَ حِجابِ
والرُّوحُ رَقَّتْ ثم شفَّتْ عن حني
ـــنٍ للقاءِ مُضَمخٍ برُضابي
يا آيةَ الرحمنِ ما حجبَ النوى
نوراً تنزَّلَ عاكفاً برحابي
الشاعر جمال الجشي من فلسطين افتتح قراءاته بقصيدة بعنوان “سراعاً تمر”، مشيرا إلى قلق الإنسان الدائم من عبور السنين وما تحمله في عبورها من أعمارهم وأعمالهم، وما يلحقون به خلالها وما لا يدركونه، متناولا الأحداث واتخذ من النصح والوعظ زورقا أبحر بالحضور عبره في بحور الحكمة والتجربة، واختتمها بالدعوة لنيل الخير والفلاح، جاء فيها:
سِـــراعًــا تَــمــرُّ عَـلـيـنـا الـلّـيـالـي
تُــرامــي خُــطـانـا لـحِـضْـنِ الــمَـآلِ
شَــبـابٌ يــولّـي ويَـفـنَـى مَـشـيبٌ
وَكُـــــلٌّ يَــســيـرُ لِــيَــومِ الــسُّــؤَالِ
تَـــــزَوَّدْ بِــتَــقـوىً لِــيـومِ الــتَّــلاقِ
لَــعـلَّ الــصّـلاحَ يَــقـي مِـــنْ وَبــالِ
تَـــضَـــرّعْ وَنـــاجِ إِلــهًـا غَـــفُـــورًا
لِـتَـمـحـوْ ذُنــوبًــا كَــمِـثـلِ الــجِـبــالِ
ثم تغنى للشام محبا ومواسيا في قصيدة بعنوان: “يا شام صبرا”، جاء فيها:
خَلَـتِ الدِّيارُ فَـلا أنـيـسَ بِـهَـا
وَكَـبـا عَلـى أَسوارِهـا الوَردُ
واهاً عَــلـى رَيَّـــا نَـسـائِـمِهَـا
وَبَـــلابــلٍ بِـريـاضِـهَـا تَــشْــدوْ
يـا شـامُ صَـبرًا صَـبْرَ مُصـطَـبِـرٍ
فـالـصَّـبرُ بـاطِـنُ مُــرِّهِ الـشَّـهْدُ
ثم قرأ بعده الشاعر الأردني خليل الرفوع الذي احتل المكان الدلالة الشعرية الرمزية الرئيسية لذاته الشاعرة، حيث شدا لقريته التي يرتبط بها وجدانه وتهفو إليها عاطفته، في قصيدة بعنوان: ” إلى قريتي بصيرة”، مأوى ومنتهى، ويدل عنوانها على أمنية مضمرة للشاعر بأن يعود إليها يوما كنهاية جميلة تجمعه بمعشوقته، جاء فيها:
بُـصَــيْـرةُ يا بدايةَ كلِّ عشْـق
ويا بوحَ الرّوابي للوِهاد
سألتُكِ إنْ تناجَى القومُ دوني
وعادتني الخطوبُ مع العوادي
فكوني لي كؤوسًا من صَبوحٍ
تُسـاقي ظِمْءَ أنفاسي وضادي
ثم قرأ الرفوع قصيدة أخرى تجلى فيها المكان مرة أخرى كظاهرة شعرية لها تأثيرها الجمالي الخاص في الخطاب الشعري للشاعر، حيث قدم لقصيدته متحدثا عن انبهاره بجمال المعمار والفن في الجامعة القاسمية، وجاءت بعنوان” والقاسمية من نور الهدى نسجت”، جاء فيها:
دعْ ذا ورتلْ شجيًّا سورةَ القلمِ
للقاسميةِ واتركْ عذْلَ مَنْ عذَلوا
أقولُها بلسانٍ غيرِ ذي عِوجٍ
القاسميةُ هدْيٌ في الورى مثَل
غنَّيْتُها أدبًا حتى تُهدهدَني
لحنًا شَهِيًّا عُراهُ المدحُ والغزل
الشاعر السوري د. عبدالرزاق الدرباس افتتح قراءته بتحية لشارقة الشعر وبيت شعرها العامر بالمحبة في قصيدة لا تخلو من تجليات رمضانية مضيئة الحروف قال فيها:
شهد بشارقة الهوى ينساب
ويعرش النسرين واللبلابُ
قمر القوافي ساهر يبني لنا
سفن السلامة والمحيط خرابُ
والشعر يجمعنا بدافيء بيته
شغفا فتضرب للجمال قبابُ
ثم شدا الدرباس للوطن شدو طائر جريح في غربته، مختتما قصيدته “جسور الشوق والشوك” بتساؤل موجع يقول فيه:
باهِتٌ لونُ شَوقي..
وكلُّ المَسافاتِ بينَ الخيامِ ظَلامٌ وظُلمٌ..
سيبقى السُّؤالُ يُلاعِبُ صَوتي..
أمَا تَعِبَ الحزنُ والقتلُ مِنَّـا؟؟
أما آنَ في مَسرحِ الحربِ غَلـقُ السِّــتارة؟؟
ثم شدا بالحب للمرأة/الوطن، عروس الياسمين، ومعشوقته التي أوصاها قائلا،:
فإن سألوك: لماذا افتـرَقـتـمْ ؟
فقـولي : لقـدْ مـرّ يـوماً هُـنـا
رمَـى ياسِـميـناً عـلى راحَـتـيّ
وكـفّـنَ بالعِـشـق حِرمانَـنـا
وغـابَ إلى حـيـثُ لـسْـتُ أراهُ
فضـيّعْـتُ مِن بعْـد ِه ِ دربَـنـا
واختتم القراءات الشاعر العراقي يونس ناصر الذي استسمح الجمهور أن يشدو لوطنه العراق في قصيدة عالية الشجن، ناجى فيها وطنه مشتاقا ومعتذرا ومستحضرا شجن ابن زريق في محاولة لقول “ما لم يقله ابن زريق” جاء في افتتاحيتها:
عتابُكِ باهظٌ وأنا فقيرُ
وحكمكِ قاطعٌ وأنا أسيرُ
وبحركِ هائجٌ وأنا غريقٌ
تقاذفني العواصفُ والهديرُ
اذا أطفأتُ بركاناً بجنبي
يعودُ بألف بركانٍ يثورُ
وحولي النارُ والرمضاءُ حلفٌ
فممّا أستجيرُ ومن يجيرُ
وأبلعُ غصتي إذ لا أنيسٌ
ولا جارٌ يحنّ ولا سميرُ
لقد يبِست على شفتي القوافي
وجفت دون أشعاري البحورُ
ثم واصل الشاعر يونس ناصر قراءته في قصيدة بعنوان “أنا.. وحيطــان بـيتي”، رثى فيها حال بيته بعد تفرق أهل البيت وشتات أبنائه وتغربهم، في أنسنة للمكان “بيت الشاعر”، ومشاركته العاطفة والحوار من خلال مخاطبة حيطان الدار التي تحاوره وتجيب سؤاله عمن غابوا عنه وعنها، يقول الشاعر:
الدارُ صمتٌ فلا همـسٌ ولا صخبُ
صـمتَ القبورِ ووحدي كنتُ أنتحبُ
كأنّها بيتُ أشـباحٍ مُهـاجرةٍ
حتى الهواء كئيبٌ موحِشٌ تـَرِبُ
وكلّ أرجائها خرساءُ ترمقني
مُحدَودِبَ الظّهر شـيخاً هدّه التّعبُ
وكمْ سألتُ عن الأولاد أينهمُو
فيرجعُ الصّوت دمعاً: كلّهم ذهبوا
أرمي يديَّ على الحيطان أمسحها
لعـلّ أنفاسهم تهمي وتقتربُ
في ختام الأمسية كرم الشاعر محمد البريكي المشاركين في الأمسية.