برشلونة.. ليست كرة قدم فقط !
يوم السبت الاسبق كان يوماً حافلاً بالنسبة للكاتالونيين فضلا عن باقي الاسبان فقد حقق لهم فريق عاصمتهم برشلونه نصراً رياضيا مستحقاً بفوزه بكأس اوروبا لكرة القدم وشاركهم فرحهم اردنيون عديدون سهروا مع المباراة ولفرط فرحهم خرجوا بعدها بسياراتهم الى الشوارع في سلوك مرفوض يطلقون ابواقها المزعجة حتى ساعة متأخرة من الليل احتفالاً بالنصر وكأنه نصرهم.
لقد استمتعت شخصياً بمشاهدة هذه المباراة بمستواها الفني الراقي، لكن لأن برشلونة ليست مجرد فريق كرة قدم فقد سعدت في اليوم التالي بمتابعة المقابلة التي اجرتها إيمي غودمان على موقع Democracy Now مع أدا كولاو Ada Colau التي فازت لتوها في انتخابات رئاسة بلدية برشلونة فدخلت التاريخ ليس لأنها اول أمرأة تصبح عمدة لها فحسب بل لأنها البرشلونية التي عرفها مواطنوها جيداً وهي تناضل من اجلهم منذ عشرين عاماً في العصيان المدني السلمي ضد العولمة وضد القوانين غير العادلة وذلك كناشطة فاعلة في حركة ال Indignados أي الغاضبون ثم شاركت في تأسيس مجموعة المناهضين للاخلاء أي اخلاء السكان من شققهم التي اشتروها بالتقسيط ثم تأخروا في التسديد ! وتستعيد معها إيمي غودمان شهادتها ذات يوم أمام لجنة برلمانية للتحقيق في الاخلاءات حيث صرخت في وجه خبير اقتصادي انتدبته البنوك ليدافع عنها وعن حقها (!) في طرد السكان من بيوتهم: أنت كذاب، فأُخرجت بالقوة واعتقلت ! كما كانت من قبل قد اعتقلت عدة مرات بسبب مواقفها الاحتجاجية أثناء احتلال الميادين في اسبانيا اسوة بمدن عديدة أخرى حول العالم بعد مظاهرات احتلوا وول ستريت في نيويورك المستوحاة من احتلال ميدان التحرير في القاهرة في ثورة 25 يناير 2011.. وقد اعادت وسائل الاعلام نشر صورة لأدا كولاو وهي ملقاة على الارض تجرها الشرطة في إحدى تلك الاحتجاجات فتعلق عليها بعد ان اصبحت العمدة الجديدة لبرشلونة: من الآن فصاعداً سوف تكون الشرطة في خدمة حقوق الانسان لا في خدمة البنوك.
وتلخص كولاو المشاكل الناجمة عن الازمة الاقتصادية في اسبانيا بقولها إن احداها ناجمة عن تواطؤ النخبة المالية مع المؤسسات السياسية بخداع مئات الآلاف من الناس إذ باعتهم شققاً بالتقسيط وأخفت عنهم شروطاً مجحفة تمكن البنوك عند عجزهم عن السداد بسبب تراكم فوائد غير قانونية من وضع اليد على تلك الشقق وادعاء ملكيتها بعد طردهم منها ليصبحوا مشردين بلا مأوى غارقين في ديونهم مدى الحياة ما أدى الى انتحار اعداد كبيرة منهم والى خسائر في الاقتصاد الوطني بالمليارات وتبعاً لذلك تدهورت الخدمات الصحية والتعليمية في البلاد ، لكن الجانب الايجابي في ذلك – تقول كولاو – أن حركة احتجاجية جماهيرية واسعة ولدت من رحم هذه المأساة ونجحت في وقف تنفيذ آلاف الاخلاءات واجبرت البنوك على التفاوض، واضطرت الحكومة للتدخل لحل المشكلة وإلا ظهرت على حقيقتها ضالعة مع البنوك ومتآمرة معها.
وبعد.. فهذا نموذج جديد لما يمكن ان تكون عليه انتخابات البلديات حين يتصدى لها من يحمل هموم الناس ويدافع عن حقوقهم الاساسية كما فعلت أدا كولاو فتوّجوها عمدة لمدينتهم..