إتهامات دمشق للأردن: إيجابية الأسد تغيب فجأة واللهجة حادة وغموض شديد على الحدود
قد لا تكون المعلومات التي تحدثت عن إجراءات إحتياط أردنية مفاجئة ذات عمق عسكري فجر السبت أكثر من (تسريبات) تعكس واقع الحال بعد التطور الحاد في اللغة السورية الرسمية تجاه الأردن مساء الجمعة.
خلال الساعات القليلة الماضية تبددت مؤشرات (الإطمئنان) في الشارع الأردني لبرودة الجبهة السورية حيث أثار تصريح لمسئول سوري لم تكشف هويته بثته وكالات الأنباء مساء الجمعة القلق.
التصريح نفسه أنتج إنطباعا معاكسا للإستنتاج الذي غرق به الجميع في عمان منذ شهرين بعدما أشاد الرئيس بشار الأسد علنا وأمام وفد العباءة الأردنية الشهير بما أسماه التوازن في الموقف الرسمي للأردن ملمحا لتفهمه للضغوط التي تمارس على عمان.
هذه الروح الإيجابية التي بثها بشار الأسد في أوصال المعادلة السياسية الأردنية تزامنت مع الإسترخاء الذي ظهر على سطح الأحداث بعد زيارة العاهل الأردني الملك عبدلله الثاني الأخيرة لموسكو وإتجاه الدبلوماسية الأردنية بوضوح نحو السيناريو الروسي في معادلة الأزمة السورية.
دمشق إختارت بيروت لإطلاق تصريح غامض على لسان مصدر مسئول عمل على تبديد حالة الإسترخاء الأردنية وإنتاج عشرات التساؤلات مجددا بعنوان الإسترخاء الوهمي في العلاقة بين عمان ودمشق حيث تفتح الأولى حدودها على مصراعيها لإستقبال المزيد من اللاجئين دون أدنى إعتراض من الثانية.
التصريح السوري يتهم مباشرة الأردن بالعودة إلى سياسة السماح بدخول (الإرهابيين) عبرالحدود مع درعا مع السماح بدخول السلاح وتدريب قوات للجيش الحر المعارض.
لكن الناطق السوري يعتمد بوضوح على سلسلة تقارير كشفتها الصحافة ألأوكرانية ولاحقا الأمريكية والفرنسية عن برامج تدريب أمريكية للمعارضة السورية في الأراضي الأردنية.
عمان لم تعلق إطلاقا رسميا على الإتهام السوري بل إستغربته أوساط القرار فيها فهو مباغت من حيث التوقيت ومفاجيء من حيث الدلالات السياسية.
والقبضة (الأمنية) الأردنية لا زالت متشددة جدا على الحدود مع سوريا لأسباب لا تتعلق بالحرص على تفعيل إتفاقيات ضمنية مع روسيا فقط ولكن تتعلق بمراجعة شاملة لملف السلفيين والخوف من تصدير مقاتلي جبهة النصرة مجددا للساحة الأردنية.
المنطق الرسمي الأردني في التعامل مع تقارير الإعلام الأجنبي إختصره وزير الإتصال الناطق الرسمي سميح المعايطة عندما قال للقدس العربي بأن مواقف بلاده ثابتة وواضحة من الملف السوري ملمحا لإن الحراك الأردني الدولي والإقليمي مؤخرا لصالح عملية حوار سياسي في سوريا لا يعجب بالتأكيد بعض الأطراف مما يدفعها للمناكفة عبر تقارير إعلامية.
الموقف واضح بالنسبة للمعايطة ويؤشر على قناعته بان التقارير التي تتحدث في الصحافة الأجنبية عن تدريب قوات معارضة لبشار الأسد وإدخال سلفيين وسلاح ليست أكثر من شغب على الدور الأردني الداعي للإستقرار في سوريا والمنسق مع موسكو وبيروت وبعض العواصم المهمة في المنطقة والعالم.
قبل ذلك كان المحلل الإستراتيجي المتخصص بالملف السوري عامر سبايله قد توقع سلسلة تقارير في الإعلام الدولي تشاغب على الأردن في المرحلة اللاحقة.
الجديد في المسألة أن هذه التقارير التي تحدثت عن سلاح سعودي أرسل من الأردن لمقاتلين داخل سوريا أصبحت الأن موقفا رسميا للنظام السوري الذي قرر فيما يبدو عدم الضغط كثيرا في إتهام الأردن وترك ملاذات جانبية عندما قال بأن الأردن يتعرض لضغوط من دول أخرى.
المقصود بذلك ليس سرا فأنصار دمشق في فضاء عمان الإعلامي والسياسي وهم كثر في الواقع يتحدثون عن أجندة سعودية وقطرية ضاغطة على الأردن للتدخل في سوريا.
وبعض التكهنات تشير لإن عمان تتورط أو لم يعد لديها ما يمنع التورط في سيناريو متفق عليه مع روسيا لإقامة منطقة عازلة جنوبي سوريا تحت عنوان إنساني ودمشق بالصورة فيما يبدو لكنها تشترط أن لا تسمح أي رعاية أردنية لمناطق درعا ومحيطها بدخول مقاتلين وسلاح وتحديدا لجبهة النصرة.
كل المؤشرات في دائرة القرار الأردنية ترجح أن إتهامات دمشق الطازجة (مسيسة) ولها مرامي وأهداف عميقة فالحدود آمنة تماما وسياسة عمان منذ نصف عام الوقف التام لسياسة التغاظي عن زيارات الجهاد التي يقوم بها سلفيون أردنيون عبروا فعلا بالمئات في الماضي.
التأكيد على ذلك عمليا سمعته القدس العربي مباشرة من القيادي البارز في التيار الجهادي السلفي الأردني محمد شلبي- أبو سياف- وهو يتحدث عن تغيير ملموس في الموقف الرسمي وتضييقات على (الأخوة المجاهدين).
بالتوازي يمكن الإستماع في جميع أروقة القرار الأردنية لفيتو عملاقة مرفوعة في وجه أي تعاون أو تراخي مع سلفيي جبهة النصرة خوفا من عودتهم للنشاط في الأردن.
ذلك لا يعني إلا سيناريوهات محتملة أبرزها أن دمشق تفتعل قصة تراخي الأردن في مسألة عبور السلفيين لأغراض توتيرية لا زالت غامضة أو أنها بدلت موقفها أو تضغط تكتيكيا على الأردن وتلوح بالتهديد.
وبين هذه السيناريوهات ما يفترض بان سياسة عمان في إظهار القدرة على التحدث مع جميع الأطراف وبنفس التوقيت أخفقت أو ضبطتها دمشق وتسعى لإعادة إنتاجها.
وبينها أيضا تمكن مجموعة سلفيين من العبور سرا وتجاوز الطوق الأمني الأردني على الحدود.
بكل الأحوال يمكن إعتبار إتهامات دمشق التي صدرت من مكتب وكالة أنباء في بيروت إشارة إلى أن الإسترخاء على الحدود الأردنية لا زال هشا وأن إيقاع الميدان الذي لا تسيطر عليه عمليا لا عمان ولا دمشق قد يعاكس إتجاهات أي تفاهمات سياسية حتى لو كانت موسكو راعيتها.
الغموض شديد ميدانيا في جميع نقاط الإشتباك الحدودي بين الأردن وسوريا وأشد عندما يتعلق الأمر بالحلقات السياسية والثابت الوحيد أن بعض الأطراف التي لا يعجبها حراك عمان الأخير تنجح ولو نسبيا في المناكفة والمشاغبة على الإستراتيجية الأردنية.
لذلك تصمت عمان ولا ترد على الإتهام السوري وتنهمر التسريبات التي تتحدث عن توتر مفاجيء وغامض على الحدود تطلب إجراءات غير معتادة خلال الساعات القليلة الماضية.القدس العربي