كيف نواجه يومنا بنشاط؟
قد تختلف عيشة اليوم عن الأمس، إذ نلتمس واقعا سريعا ومتغيرا في أيامنا هذه، ومع الإقدام على مواكبة وتيرة هذا الواقع، تنطوي على حياتنا حالة من التأهّب والإجهاد المتواصل قد يتمثل في علامات صامتة لا ندركها في بعض الأحيان، مثل الشعور بالصداع المفاجئ، الهبوط العام، النسيان الوقتي أو المستمر، اضطرابات في تناول الغذاء وفي الهضم، تشنّجات في مناطق مختلفة من الجسم، نزف من الأنف، وآلام في الفم والفكين. ويختلف ظهور هذه العلامات من شخص إلى آخر وبين الفينة والأخرى وقد تتراوح الأعراض في حدّتها في بعض الأوقات والأيام.
ويشير البحث العلمي المستمر عبر العقود الأخيرة إلى إمكانية تعزيز قدرتنا على مواجهة الضغوطات اليومية بنشاط وحيوية من خلال تناول أغذية غنية بقيمتها وقليلة في محتواها من السعرات الحرارية، إلى جانب الحفاظ على استقرار وزن الجسم الصحي وخسارة بعض الوزن عند ارتفاع الوزن.
ويأتي دور النظام الغذائي في تعزيز قدرة الجسم على التعامل مع الخلايا الدهنية بصورة أفضل فعند التعرض لضغط ما، يفرز جسمنا بعض المركبات الكيميائية التي بدورها تحفّز من نشاط الخلايا الدهنية في جسمنا وتؤثر على عملية إطلاق الطاقة في الجسم مؤثرة بالتالي على سلوكنا نحو الغذاء وعلى خياراتنا فيه وآلية تعاملنا معه، مثل ما يحدث في حالة التفشّش على سبيل المثال.
ويتمثّل غنى القيمة الغذائية للوجبة باحتوائها على البروتين ومجموعة فيتامينات (ب) – أذكر بوجه خاص فيتامين ب (12) نظرا لدوره في صحة الأعصاب – والكالسيوم والحديد والزنك إذ نحتاج التركيز على نوعية ما نتناوله، لا على كميته، على أن تكون الكمية المتناولة موزّعة بصورة منتظمة خلال اليوم، أي كل ثلاث ساعات على الأقل، حتى نحافظ على مدخول مستقر من كل من البروتينات بأنواعها والعناصر الغذائية اللازمة لإمداد جسمنا بالطاقة بعد نفاذها مع مرور ساعات اليوم، وحسب شدّة الضغوطات. كما تؤدي عملية التنظيم هذه إلى رفع كفاءة الاستفادة من الطاقة المتناولة والمخزونة وتساعدنا بالتالي على الحفاظ على وزن صحي، أو خسارة الوزن الزائد بعد فترة من الالتزام بها.
ويأتي دور البروتين في الحفاظ على الكتلة العضلية وسرعة استرداد العافية بعد التعرض لضغط ما. وتعد المصادر الغذائية الغنية بالبروتين غنية بالكالسيوم أيضا، مثل منتجات الألبان والأجبان والمكسرات كالوز، إلى جانب كونها غنية بكل من الحديد والزنك الموجودان في مصادر بروتينية مختلفة، منها حيوانية كاللحوم بأنواعها مثل اللحم، والدجاج، والسمك، والتونا، والسردين والبيض، ومنها نباتية كالبقوليات بأنواعها مثل العدس والحمص والفول والفاصوليا، والمكسرات كالجوز أو المعروف بعين الجمل.
إذن، فهنالك مصادر مشتركة تجمع ما بين البروتين ومجموعة فيتامينات (ب) وكل من الكالسيوم والحديد والزنك، والتي يجدر بنا أن نهدف إلى تناولها خلال اليوم لنتمتّع بمزيد من النشاط والحيوية بدلا من خيارات غذائية أخرى لعلها تؤثر سلبا على مقدار نشاطنا الذهني والجسدي خلال اليوم.
ويتّسم النظام الغذائي المولّد للنشاط والحيوية بتناول أنواع مختلفة ومتنوّعة من الخضار والفواكه الملوّنة إلى جانب المصادر البروتينية بأنواعها، إذ تؤدي خياراتنا المختلفة والمتنوّعة من الخضار والفواكه إلى تعزيز كمية فيتامينات مجموعة (ب) المتناولة، وتسهم في زيادة امتصاص البروتين في الوجبة الغذائية، كما وتحسّن من امتصاص كل من الكالسيوم والحديد والزنك.
وتتأثّر الأنواع المختلفة والمتنوّعة من الخضار والفواكه بالموسم، ويمكن أن ندخلها في وجبتنا كشرحات طازجة، مجفّفة، أو مفرّزة، ولكن علينا مراعاة خياراتنا في تناول أنواع مختلفة ومتنوّعة في وجباتنا كتناول شرحات من الخضار مثل: الخيار، الجزر، الملفوف أو القرنبيط، الفجل، البصل، الثوم، البصل الأخضر، البقدونس، الزهرة، البروكلي، أرض الشوكة، الذرة، البازيلاء، الفول الأخضر، السبانخ، الخس، البطاطا، الشمندر أو البنجر، البندورة، الكوسا، الباذنجان، الفلفل، البامية، الملوخية، السلق، الفطر، والشومر. وتشمل الفواكه الموز، التفاح، البرتقال، المندلينا، الفراولة، العنب، التين، البطيخ، الشمّام، البلح، الخوخ، المشمش، الدرّاق، والكرز.
وإلى جانب كونها قليلة السعرات الحرارية، وغنية بالفيتامينات، ومعزّزة لامتصاص البروتين، تعد الفواكه بأنواعها أجمع، إضافة إلى الخضار النشويّة (كالبطاطا والبازيلاء والجزر والذرة والبنجر)، مصدر جيد لسكر الجلوكوز الضروري لإمداد الدماغ بالطاقة التي يحتاجها من أجل أن يقوم بوظائفه على أكمل وجه خلال اليوم. وتشكّل صحة ذاكرتنا جزءا لا يتجزأ من هذه الوظائف، فبطبيعة الأمر لا يقوم دماغنا بتخزين سكر الجلوكوز لإنتاج الطاقة لجسمنا مثلما تخزنه عضلاتنا، بل على العكس، يعتمد دماغنا كليا على نسبة سكر الجلوكوز في المحلول المحيط بالخلايا الدماغية. ويأتي هذا الجلوكوز من وجباتنا الغذائية المتناولة على مدار ساعات اليوم، فتناول وجبة كل بضع ساعات يساعدنا في المزيد من التيقّظ والنشاط ويحافظ على أوزاننا شريطة أن تكون الكمية موزّعة وقليلة لا تتعدّى عشر لقم. ويمكننا ترجمة ما ذكر إلى واقع من خلال التخطيط المسبق لما يلائمنا من خيارات غذائية خلال اليوم، ومن هذه الخيارات: ساندويشة من الحمص وزيت الزيتون والجزر، ساندويشة من الطحينة والعدس مع زيت زيتون وكمّون وبقدونس، كوب من 100 % عصير الخضار أو الفواكه بدون إضافات مع 10 حبات من اللوز، كوب من اللبن مع شرحات من الخيار، تفاحة مع ملعقة من زبدة الفستق، الذرة مع الفلفل الأخضر وزيت الزيتون والجوز.
وثمة ممارسات غذائية دارجة تساهم في قلة النشاط والحيلة كالامتناع عن تناول وجبات خلال النهار بحجة توفير السعرات الحرارية لوجبة الليل، عدم وجود الوقت الكافي سواء لتحضير أو لتناول الوجبة، أو نظير الانهماك في العمل والانشغال خلال اليوم، وقد يكون لأسباب نفسية إذ تفضّل العديد من الفتيات تجنّب تناول الطعام أمام أحد، خاصة وأن عملية تناول الطعام خلال اليوم تستقطب المزيد من التعليقات من العديد من الأفراد. وثمة من يمارس الامتناع عن تناول الفواكه والخضار النشوية خلال اليوم بحجّة الرغبة في التنحيف أو اتباع موضة دارجة. وحقيقة الأمر بأنه عند حرمان جسمنا من الوجبة الغذائية لفترة ما، فإنه يؤثر بدوره على مستوى الطاقة المتوفرة لخلايا دماغما، كما ويؤثر سلبا على أدائنا وإنتاجيتنا ومدخولنا من البروتين والفيتامينات والكالسيوم والحديد والزنك، ويسهم في زيادة فرصة تذبذب وزن الجسم وزيادته في العديد من الأحيان.