الإسلاميون في موقف محرج!
حجم الإيذاء الذي لحق بالمشروع الإسلامي المعاصر بعد ثورات الربيع العربي لا يمكن التكهن به على وجه التحديد، ومن السابق لأوانه القول أن صورة الإسلاميين «تهشمت» بعد هذه الثورات، لكن يستوقف المرء هنا الخلاصات التي خرج بها الباحث جان-بيار فيليو، أستاذ العلوم السياسية في باريس، صاحب كتاب «القيامة في الإسلام» الذي حصل على جائزة أدبية فرنسية في العام 2008.
في كتابه «خلاصة الثورة العربية في عشرة دروس» الصادرة ترجمة حديثة له باللغة الانجليزية، وكتب عرضا له د. غسان العزي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، ونشر في مركز الجزيرة للدراسات، يعتقد الكاتب أن الثورات الشعبية وضعت الإسلاميين، وتحديدًا الاخوان المسلمين، في موقف حرج وأمام خيارات صعبة؛ فخلال عقود طويلة استفادوا من وضعية كانت مريحة إلى حد كبير. ذلك أنه بعد انهيار الناصرية ثم الانقسام البعثي بين دمشق وبغداد أضحوا، بفضل تنظيمهم وبرنامجهم وشبكاتهم قطبًا رئيسيًا على الساحة السياسية بل القوة الوحيدة تقريبًا القادرة على تحريك دينامية إقليمية، والتأثير في أجيال من المثقفين والناشطين السياسيين. لقد تمكنوا من إقناع شرائح شعبية واسعة بمصداقية شعارهم «الإسلام هو الحل» لاسيما بعد إفلاس الحلول الاشتراكية والشيوعية والقومية، وهو شعار أضحى بمثابة برنامج سياسي وعنوان فضفاض يفتقر إلى التفاصيل، وبعد أن يشرح الكاتب الفروقات بين الإخوان المصريين والتونسيين والسوريين وغيرهم، وبينهم والسلفيين، واختلافهم واتفاقهم مع حزب العدالة والتنمية التركي، وبعد أن يغوص في تفاصيل علاقاتهم مع عبد الناصر ثم السادات وصولاً إلى حسني مبارك وترددهم في المشاركة بتظاهرات ميدان التحرير والاتفاق الضمني مع الجيش؛ يصل إلى القناعة بأن انتفاضة الحرية صادرت لهم شعاراتهم وجردتهم من الصدقية بسبب مواقفهم الانتهازية منها(!). لذلك لم يعودوا في مركز قيادة المعارضة كما كانوا في العقود السابقة، ولم تعد لهم السيطرة على الأجندة ولا على مرجعية التحول إزاء الموجة الديمقراطية العارمة بل إنهم باتوا مضطرين إلى الانخراط في مسار معقد من التفاوض مع مروحة واسعة من الأحزاب والحركات السياسية والمؤسسات والجمعيات. هذه التعددية تجبر الأخوان على القبول بتعدديتهم، والاعتراف بالمنشقين عنهم، والتعاطي مع السلفيين على يمينهم والعلمانيين على يسارهم. حتى شعار «الإسلام هو الحل» الذي كان إطارًا يوحّد كل الإسلاميين بات يغطي مروحة واسعة جدًا من «الشمولية « القريبة من الديكتاتورية إلى فلسفة التسامح والقبول المتبادل. لقد تغير العالم العربي وأضحى الرجوع إلى الوراء مستحيلاً وعلى الإسلاميين أن يدركوا أنهم لم يعودوا في المعارضة وأنهم في حاجة إلى «ثورة في الثورة»!
ربما يبدو هذا الكلام في غاية القسوة، أو غير مقبول في بعض تفاصيله، لكن التاريخ لا يرحم، وعلى الإسلاميين أن يأخذوه على محمل الجد، ويعيدوا النظر في تجربتهم خاصة في مصر وتونس، ليس من أجل إعادة بناء تنظيم الإخوان المسلمين على أسس جديدة، بل من أجل إصلاح مشروع النهضة الإسلامي برمته، الذي تضرر بشكل كبير بعد ثورات الربيع العربي، وانتقال الإسلاميين من الثورة إلى الدولة!
ربما يقال هنا أن حجم «التآمر» على المشروع الإسلامي هو السبب، وقد يكون ساهم هذا التآمر في تعثر المشروع الإسلامي، لكن ما هو مؤكد أن أعداء هذا المشروع لن يتركوه لينمو في بيئة آمنة، كونه يهدد مصالحهم، وعلى اصحاب المشروع أن يأخذوا بالحسبان هذا المعطى، ويحسبوا له ألف حساب، فهم ليسوا وحيدين في الساحة، والمتربصون بهم لن يتركوا لهم المجال للاستئثار بالمشهد، دون أن يمتلك الإسلاميون خطة محكمة لاستيعاب الآخر، والتشارك معه في بناء النهضة الثانية!