"داعش" يحكم قبضته على الرمادي
وكالة الناس – تخضع مواجهة التحالف الدولي مع تنظيم داعش لرد الفعل، حسب محللين رأوا أن التحالف “يوجه كل قوته النارية على التنظيم اجمالا بعد سقوط منطقة ما بين يديه”.
في غضون ذلك، تقوم القوات العراقية و”الحشد الشعبي” المؤلف من فصائل شيعية، بحشد عناصرها في محافظة الأنبار، لبدء عملية سريعة لاستعادة مركزها الرمادي التي سيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، في ما اعتبرته واشنطن “انتكاسة” في مواجهة التنظيم المتطرف.
وتسعى الحكومة العراقية إلى الاستفادة من عامل الوقت في محاولة استعادة المدينة التي تبعد 110 كلم إلى الغرب من بغداد، قبل أن يتمكن “التنظيم” من تعزيز دفاعاته في المدينة عبر تفخيخ الطرق والمنازل. ولجأ “داعش” إلى هذا الأسلوب في شكل مكثف في مناطق أخرى يسيطر عليها، ما كان يعيق تقدم القوات التي تحاول استعادتها، ويكبدها خسائر كبيرة.
وسيطر “التنظيم” على الرمادي بالكامل أول من أمس، اثر انسحاب القوات الأمنية في وجه هجوم بدأ مساء الخميس الماضي، في أبرز تقدم له في العراق منذ حزيران (يونيو) العام الماضي.
وشكل هذا التقدم نكسة لاستراتيجية رئيس الوزراء حيدر العبادي المدعومة أميركياً، ما أدى إلى بناء قوة مختلطة مذهبياً لقتال “التنظيم”.
وقال العميد الركن في الجيش العراقي علي الماجدي “بدأ وصول الحشد الشعبي إلى مواقع شرق الرمادي للتهيؤ من أجل القيام بمرحلتين، الأولى قطع تقدم العدو، والثانية التقدم باتجاه العدو”.
وأمر العبادي، القائد العام للقوات المسلحة، أمس “بتحديد خطوط صد جديدة في الرمادي، لإعادة تنظيم وانتشار القوات المقاتلة لمواجهة عصابات (داعش)”. واجتمع بقيادة الحشد “لوضع الخطط اللازمة، والعمل مع القوات المسلحة والأمنية لاستعادة المناطق التي تم الانسحاب منها”.
ويتألف “الحشد الشعبي” من فصائل شيعية تتلقى دعماً مباشراً من إيران، التي التقى وزير دفاعها حسين دقهان، العبادي في بغداد أمس.
وأثار تنامي دور هذه الفصائل منذ هجوم “التنظيم” في العراق، في حزيران العام الماضي، تحفظ واشنطن التي تقود منذ الصيف تحالفاً دولياً يشن ضربات جوية ضد مناطق سيطرة “التنظيم” في العراق وسورية.
وتحض واشنطن حكومة العبادي على دعم العشائر السنية المناهضة للتنظيم في الأنبار ودعمها لمواجهته، كما فعلت في الرمادي التي سيطر “التنظيم” على أحياء في أطرافها منذ مطلع العام الماضي.
وتأتي الموافقة على دخول “الحشد” الأنبار بعد أشهر من تحفظ سياسيين سنة، ومسؤولين محليين تخوفاً من حصول انتهاكات، أو تكرار عمليات النهب التي يتهم بعض عناصر الفصائل الشيعية بارتكابها في معارك سابقة، لا سيما في مدينة تكريت السنية التي استعادتها القوات مطلع نيسان (ابريل) الماضي.
وانتقد مسؤولون في الفصائل خلال اليومين الماضيين، العبادي والسياسيين الذين رفضوا مشاركتهم، محملين إياهم مسؤولية سقوط الرمادي.
وبدأت فصائل منذ مساء أول من أمس، إرسال تعزيزات إلى الأنبار تمهيداً للمشاركة في أي عملية عسكرية لاستعادة الرمادي ومناطق أخرى في المحافظة التي يسيطر “التنظيم” على مساحات واسعة منها.
ويقول الباحث في “معهد واشنطن” للدراسات مايكل نايتس إن “الحكومتين الأميركية والعراقية تبدوان على الموجة نفسها بضرورة شن هجوم مضاد على الرمادي قبل أن يعزز التنظيم دفاعاته في داخلها”.
واعتبرت واشنطن أمس، أن سقوط المدينة “انتكاسة”، مبدية في الوقت نفسه ثقتها بأن السيطرة عليها ستستعاد.
وأعرب وزير الخارجية جون كيري عن “ثقته الكاملة” بإخراج “المتطرفين” من الرمادي “خلال الأيام المقبلة”. وقال في كوريا الجنوبية أمس: “لدي الثقة على المدى البعيد. لكن نعم، ستكون هناك أوقات مثل أمس في الرمادي، وستكون هناك بعض التحديات الصعبة أمامنا”. إلا أن السيطرة المباغتة على المدينة وانسحاب القوات الأمنية منها، تتطلب إعادة تخطيط قبل الإقدام على أي عملية عسكرية.
وقال قائد شرطة المدينة اللواء الركن كاظم الفهداوي اليوم ان “عناصر من الشرطة، والقوات الخاصة يتجمعون في منطقة حصيبة الشرقية، على مسافة نحو سبعة كلم شرق الرمادي”.
وأوضح “هذه المنطقة ستكون نقطة انطلاق لعمليات عسكرية لتحرير مدن الأنبار”، مؤكداً أن “العملية العسكرية لتحرير مدينة الرمادي والأنبار لن تبدأ إلا بعد تأمين متطلبات ومستلزمات المعركة بالكامل”.
وانسحبت القوات الأمنية من المدينة في شكل شبه فوضوي وسريع، تاركة خلفها بعض التجهيزات العسكرية وعناصر محاصرين.
وبثت قناة “العراقية” التلفزيونية أمس، لقطات لما قالت انها “عملية إنزال عسكري لإنقاذ 28 ضابطاً وجندياً بقوا معزولين في حي الملعب بالرمادي”.
ونشر عبر منتديات موالية للـ “تنظيم” على مواقع الإنترنت، صوراً قيل انها “غنائم” من مقر اللواء الثامن، أحد أبرز المقرات العسكرية في الرمادي. وبدت في الصور دبابتان على الأقل، وعربات مدرعة، وأسلحة وذخائر.
وتقدر السلطات أن “الهجوم أدى إلى مقتل نحو 500 شخص من المدنيين، وعناصر القوات الأمنية”.
وأعلنت الأمم المتحدة أمس، أن نحو 25 ألف شخص فروا من الرمادي نتيجة الهجوم، في ثاني موجة نزوح من المدينة منذ نيسان (ابريل) الماضي.
وقالت منسقة الشؤون الإنسانية في المنظمة ليزا غراندي إن “الأولوية حالياً هي مساعدة الناس الذين يهربون من الرمادي”، مشيرةً إلى أن “الآلاف اضطروا للنوم في العراء بسبب عدم وجود أماكن يبيتون فيها”. ونزح أكثر من 2.8 مليون عراقي نتيجة العنف منذ مطلع العام 2014.
وقد حقق تنظيم داعش خلال الايام الاخيرة تقدما عسكريا جديدا على الارض، وذلك على الرغم من استمرار حملة القصف الجوي المكثف ضد تجمعاته ومواقعه التي ينفذها التحالف الدولي بقيادة أميركية في سورية والعراق.
ففي سورية، تقدم التنظيم المتطرف نحو مدينة تدمر الاثرية، فسيطر على بلدة السخنة في محافظة حمص (وسط) وعلى حقلين للغاز شمال شرق تدمر، وعلى مناطق محيطة وصولا الى نحو كيلومتر من الموقع الاثري المدرج على لائحة التراث العالمي والواقع في جنوب غرب المدينة. ويأتي هذا التقدم بعد سلسلة خسائر تكبدها التنظيم الجهادي على ايدي القوات العراقية في تكريت (شمال بغداد) وفي محافظات الرقة والحسكة وحلب (معركة كوباني) في شمال سورية على ايدي مقاتلين اكراد وفصائل من المعارضة السورية.
ويسيطر تنظيم داعش منذ الصيف الماضي على مناطق واسعة في شمال وغرب العراق وفي شمال وشرق سورية. كما يتواجد في مناطق اخرى في سورية قرب دمشق وفي الوسط.
وترتدي معركة تدمر أهمية استراتيجية بالنسبة الى تنظيم “داعش” كونها تفتح له الطريق إلى البادية السورية المحاذية لولاية الانبار العراقية التي يسيطر عليها التنظيم الجهادي. كما انها تجعل مدينة حمص التي يسيطر عليها النظام في دائرة الخطر. وتضم محافظة حمص عددا من الآبار النفطية والغازية.
كما ان المنطقة مهمة من الناحية الدعائية، كونها محط انظار الاعلام العالمي بسبب الآثار العريقة الموجودة فيها.
وترى جيسيكا لويس من معهد الدراسات حول الحرب في واشنطن ان معركتي تدمر والرمادي قد تكونان متصلتين بهدف تعزيز ارض “دولة الخلافة” الاسلامية في جانبي الحدود.
واستهدفت الغارات معدات عسكرية وحقولا نفطية ومصافي نفط ومقاتلين على الارض. ولعبت دورا كبيرا في منع سقوط عين العرب السورية الحدودية مع تركيا ووصول تنظيم داعش الى اربيل، عاصمة المنطقة الكردية في شمال العراق.
ويشير استاذ العلوم السياسية في جامعة نورث ايسترن الأميركية ماكس ابرامز الى “وجود مبادئ بديهية في عمليات مكافحة التمرد تقول بان النجاح فيها يتطلب مساندة قوات برية على الارض”.
ويختلف الامر في الرمادي وتدمر عما كان عليه في تكريت وعين العرب (كوباني بالكردية). إذ لم يكن هناك وجود للميليشيات الشيعية الداعمة للحكومة في الرمادي. بينما تسيطر قوات الرئيس بشار الاسد مدعومة بميليشيات موالية على تدمر. وقد أعلنت واشنطن انها لن تنسّق مع نظام الاسد، ورفضت نشر قوات برية في مواجهة تنظيم داعش.
وتقع الرمادي “في قلب المنطقة السنية… حيث يتمتع تنظيم داعش ببعض الدعم”، بحسب ما يقول أيهم كامل، مدير الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مركز “اوريجا غروب” للدراسات الذي يتخذ من نيويورك مقرا.
ويوضح “لا يعني هذا تأييدا لتنظيم داعش وقد يكون دافعه الخوف. لكن الواضح ان لا وجود لانتفاضة ضد تنظيم داعش” في هذه المناطق.
وفي كل المناطق التي لن يجد التحالف قوات برية تؤازره على الارض، هناك احتمالات كبيرة بان يحقق تنظيم داعش مزيدا من التقدم.
ويرى ابرامز ان التحالف الدولي يتعاطى مع الوضع اجمالا من موقع رد الفعل، إذ يوجه كل قوته النارية على التنظيم اجمالا بعد سقوط منطقة ما بين يديه.
وأقرت وزارة الدفاع الأميركية الاثنين بان سقوط الرمادي يشكل “انتكاسة”، الا انها اعتبرت ان في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية “هناك عمليات كر وفر، وانتصارات وانتكاسات”.
ويرى أيمن جواد التميمي من منتدى الشرق الاوسط للابحاث ان اي تقدم على الارض، حتى لو كان بسيطا، سيساهم في تعزيز موقع التنظيم. ويقول إنه “يتقدم في بعض المناطق ويتلقى الخسائر في مناطق اخرى”، مضيفا ان “العقيدة الاساسية للتنظيم عنوانها “باقية وتتمدد”. اعتقد انه في الواقع لا يتمدد لكنه بالتأكيد باق حتى الآن”.-(وكالات)