أن تصدق غير الحقيقي وترفض تصديق الحقيقي!
يبدو اننا فشلنا في توضيح حجم الاخطاء المصيرية التي تحيط ببلدنا. ولم نقدم لمواطننا صورة حقيقية لما يجري في محيطنا القريب والبعيد. فالمواطن يعرف أن الحدود السورية والحدود العراقية مغلقة كلياً. وهذا يعني ان شريان الحياة الاقتصادية مقطوع. وأن بلدنا ينزف كما تنزف سوريا والعراق!! ودليل فشلنا هو شكوى المستثمرين في النقل الخارجي. وشكوى المدن الاردنية الحدودية من تباطؤ الحركة التجارية.
«والحركات الشعبية» – ونضعها بين قوسين – لم تحفَ أقدامها من المسيرات والاعتصامات كل يوم جمعة.. وكل سنة من السنوات الاربع. وهي لم تكل من وضع الخطوط الحمراء: سعر الخبز خط احمر! رفع سعر الكهرباء خط احمر! رفع سعر المياه خط احمر! ولا ينفضّ السامر إلا بالنشيد الوطني: الفقر والبطالة.
لم نسمع أن أحداً قدم شيئاً لتغيير الخطوط الحمر. فالدولة تدفع لدعم الخبز 182 مليون دينار لكن أحداً.. حزباً.. منتدى.. نقابة لم تقل لنا: إن البدل الطبيعي لدعم أكلة الخبز, هو دعم منتجي القمح, لم يفهم المناضلون من اجل لقمة العيش أن الارض الزراعية تفتت, وتحولت الى سلعة تباع بالمتر. وان زراعة القمح انتهت لأن المزارع لم يعد موجوداً في سهول حوران والكرك ومادبا. ولأن زراعة القمح لم تجد من يدعمها بالملايين. لا أحد يقول: ادعموا مزارع القمح. والجميع يصر على دعم القمح الاميركي والكندي والاسترالي والروسي.
والكهرباء, والماء, نشكو من رفع اسعارها لكن احداً لم يطالب بكشف حقائق «الفاقد» الذي زاد على 50% من المياه المنتجة والمنقولة مئات الكيلومترات.. ولم نسمع اسماً واحداً من الذين يسرقون الماء, ويروون به مزارع لا تصلح أرضها لهذه الزراعة, أو يبيعونها لعطشى الاردن وماذا عن فاقد الكهرباء؟! ان سرقة نصف الماء والكهرباء تعني رفع اسعارها الى الضعف.
نعم. حالنا في الاردن حال معاناة, لأننا نعيش حالة حصار اقتصادي. وحالة تهديد مستمر بأمننا واستقرار بلدنا. والمطلوب ليس الشكوى, والاتهام, والمرحلة الداخلية على بعض, وانما حشد الجهود, وترصين الوضع, واستثارة النخوة الوطنية.
يقول سوران كيركفارد الدنماركي والأب الحقيقي للفلسفة الوجودية: هناك طريقان يوصلان الى استغفالك: الاولى ان تصدق ما ليس حقيقياً. والثانية ان ترفض تصديق ما هو حقيقي!
ترى: ألسنا نعيش حالة استغفال مطلقة بهذه «الغاغة» التي تحيط ببلدنا من داخله؟!