اللي بقهرني
حينما يجلس أحدهم ويضع قدما على الأخرى , وأول جملة يقولها :- (يا أخي البلد خربانه) …والمشكله أن بنطاله متسخ , والحذاء يحمل الكثير من التراب ..وشكله يوحي بالخراب …
اللي بقهرني …حين تجلس في وليمة , تضم سياسيين تقاعدوا بفعل العمر وعدم الكفاءة , وتذكر اسم (فلان ) أمامه , ويجيبك على الفور :- (ايه هاظ بقبض من السفارة …..) …وتسأل نفسك ,كيف عرف أنه يقبض ..وهل حصل على كشف الراتب وكميات القبض ؟
اللي بقهرني …حين تسهر مع مجموعة من الصحفيين والسياسيين , ويذكر فلان في الجلسة , ويقول رجل احترف بطولات ما بعد التقاعد :- ( أنا ما بحب أحكي ع الناس بس والله أنو نذل) …ينتابك خجل في داخلك وأسئلة غريبة عجيبة , وتقول مخاطبا قلبك ..ما دام أنه لايحب الكلام عن الناس فكيف وصفه بالنذل .
اللي بقهرني ….حين يذكر اسم مسؤول ما في جلسة عابرة , ويقفز أحدهم ويخبرك عن معرفته من أيام الجامعة ويقسم لك أنه أمضى سنوات الجامعة في (بنطلون) واحد لم يقم بتغييره…وتسأل نفسك غاضبا وهل الفقر , يدين صاحبه ؟ منذ كان الفقر في بلادنا تهمة ؟ ومنذ متى كان وسيلة للإنتقاص من الاخرين .
إللي بقهرني …حين نعلق على الوضع العام , ويخرج وزير سابق ويقول بلهفة غريبة وحسرة مصطنعة ( البلد راحت) …وتتمعن في الجملة قليلا وتقول في داخلك إلى أين راحت ؟ …البلد مقيمة ولا تذهب ولا تغادر ..كيف حكمنا على الأردن بالرحيل …مع أننا نحن من يرحل وهو باق وخالد وأبدي .
اللي بقهرني …حين نلتم نحن مجتمع الصحافة , ونناقش مع بعضنا تفاصيل المشهد ويخرج أحدهم بتصريح مفاده :- ( إحنا ضعنا) ….تتمعن في الجملة , وأنت في داخلك ما زلت تعرف عنوان المنزل , وعنوان العمل …ومدارس الأولاد وعناوين كل المطاعم ..كيف ضعنا إذا …؟
اللي بقهرني …أن كل الأشياء صارت تجلب القهر , لم نعد ننتج الفرح …لم يعد يعجبنا شيء , ومن يدفع الضريبة هو تراب البلد , الذي صار يصرخ لكثرة ما نشكو لكثرة ما نرجم , لكثرة ما نغضب ..ولكثرة ما نشتم , إرحموا تراب البلد قليلا ..ما عاد قلبي يتسع مزيدا من القهر .