ابن الزبال!
لم أزل كالآلاف غيري، نحفر في ظاهرة الربيع العربي، وما حدث لها، ومآلاتها، بعيدا عن نظرية المؤامرة، وصناعة السيناريوهات الجاهزة، ليس حبا في الحفر بل استبطانا للمستقبل، وما يمكن أن يكون موجة ثانية من موجات هذا الربيع، وهذا ليس حلم لية صيف، أو أضغاث أحلام، بل هو استشراف مبني على قراءة دقيقة للحاضر، ذلك أن أعداء الربيع العربي تحديدا، بدأوا حملة مقاومة شرسة له بالأساليب نفسها التي كانت سبباً لاندلاعه، من حيث مصادرة الحريات، والتضييق على الخلق في أرزاقهم، وعودة القبضة الأمنية، والمنع من السفر، والتهديد بسحب الجنسيات، وما إلى ذلك من أساليب غذت الثورة في نفوس شباب الربيع العربي، وحثتهم على الخروج إلى الشوارع. إضافة إلى هذا، تلمح نَفَساً ثأرياً في التعامل مع كل من شارك في الربيع، وتنكيلاً في غير ساحة عربية بالشباب، من مشعلي الثورة ووقودها. وتربي هذه الممارسات الثأرية في النفوس مزيداً من الغضب والحقد الأسود على الأنظمة القمعية، وتراكم رغبات دفينة متطلعة إلى تغيير حقيقي، يتجاوز أخطاء الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي. وإلى هذا وذاك، لم يشهد أي بلد عربي، تقريباً، أي تغيير حقيقي، يلبي طموح من ثاروا، ما يعني بالضرورة أن الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورات لم تزل موجودة، وهي الوقود الأساس لها، إذ لم يلتقط سدنة النظام العربي الرسمي الرسالة التي حملها الربيع، ولم يكد يستفيد أحد من عبره الكبرى، وبدا أن هناك نوعاً من التحايل في كيفية إبداء التفاعل مع تطلعات الثوار، عبر إجراء إصلاحات تجميلية لا تصل ولو إلى الحد الأدنى من طموح الثوار. وبالطبع، لا ننسى، هنا، ما قامت به قوى الثورة المضادة من جهد جبار لإفراغ الربيع من أي محتوى، بل إن هذه القوى لم تُبق أياً من الأساليب الذكية لشيطنة الربيع إلا واستخدمته، ووضعه في صورة الشر المستطير الذي خلف قتلى ودماراً وخراباً في البلاد التي شهدت ثورات الربيع. وهذه حيلة باتت مستهلكة، واستهدفت بعض ضعاف النفوس من السطحيين، حين قالت لهم: انظروا ماذا فعل الربيع في بلد كذا وكذا. والحقيقة أن ما فعل الأفاعيل في بلاد الثورات ليس الربيع، بل من قاوم الربيع، وقصف عمر تطلعات ثواره، فأجهز على النبتة الغضة، قبل أن تستوي على سوقها! ويستوقفني هنا ما كتبه أحدهم مستبطنا سر الثورة المضادة في مصر؛ بلغة سهلة وعفوية، ولكنه قد يجيب عن مئات الأسئلة: ومن أعظم مكتسبات ثورة يناير، أن أي منصب مهما كبر من رئيس الجمهورية فما دونه، كان طموحا مشروعا لكل أبناء مصر مهما كانت وظيفة أبيه أو مركزه الاجتماعي طالما كان أهلا للمنصب، وكان اكبر تتويج لذلك الطموح وصول الرئيس محمد مرسي لمنصب الرئيس، فكان إفشال هذه الحالة هاجسا طبيعيا لمتوارثي المناصب في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والجامعات والبنوك، لكن غير الطبيعي هو خروج أغبياء الكادحين معهم ليحطموا طموح أبنائهم فلا تستغرب أن يخرج من يقول لهم …ابن الزبال مينفعش قاضي بعد أن أزاحوا من زرع في ابن زبال الطموح أن يكون رئيسا! من حق ابن الزبال أن يحلم، ألا يكون زبالا كأبيه، وهنا تحديدا، مشكلة ما يسمى الدولة العميقة، التي تريد أن تستحوذ على كل شيء، بحيث يبقى حلم ابن الزبال أن يستحوذ على رغيف خبز، وربما يكون غير كامل، لا أكثر