عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الصحافة : حريـات أم لقمـة عيـش..؟!

بدل أن يبحث الصحافيون في “يوم الحريات “ الصحفية عن التشريعات والمقررات والمناخات التي تسمح لهم باستنشاق أنفاس الحرية والاستقلالية ، أصبحوا يبحثون عن “راتب” آخر الشهر ، أو عن فرصة عمل بديلة بعد أن فُصلوا من عملهم، أو عن قرار رسمي يطمئنهم على استمرار صحفهم بالصدور ، وعدم إغلاقها بذريعة الإفلاس. أرأيت كيف تحولت المهنة إلى “لعنة” تطارد أصحابها ، وكيف وقف الجميع صامتين أمام “محنة” الصحافة الورقية التي لطالما تسابقوا للاستعانة بها في نشر أخبارهم وانجازاتهم ، أو للتغطية على أخطائهم وتقصيرهم، وكيف تحول الصحفيون إلى أيتام على موائد فارغة حتى من “مقبلات” الوعود وجبر الخواطر المكسورة. من يستطيع أن يتحدث عن الحريات في وقت لا يجد فيه الصحفي لقمة العيش، ولا مصاريف الأولاد ، ولا يأمن على نفسه من الفصل ولا يعرف إلى أي مهنة سيتحول بعد أن قضى عمره في مهنة المتاعب ، من يستطيع  – كصحفي -أن يناقش مرتبة بلدنا على قائمة الحريات الصحفية  في العالم وهو مهدد  بـ”الانقراض” والصحافة التي يعمل فيها مدرجة على قائمة الإغلاق ، والحكومات التي يتهمها بتقييد الحريات لم تتحرك لفك القيود عن البطون الجائعة ، ورفع الظلم عن الأقلام المكسورة والمحبطة، وانقاذ أذرع الدولة التي كانت أذرعاً وتحولت الى أعضاء مشلولة وخشب مُسنَّدة ، معروضة للبيع او للتصفية. لم يتحرك احد لكي يقول للصحافيين في يوم حرياتهم: شكرا لكم ، أو  يستنكر المأساة التي تحاصرهم ، أو يهمس في آذانهم بكلمة تشعرهم انهم جزء من الوطن ، وتذكّرهم أن ما قدموه يستحق الاحترام. بوسع الصحافة التي اقتنعت أخيرا انها مثل “خبز الشعير” مأكولة مذمومة ان تحدق في مرآتها لتكتشف ما فعلته بنفسها ، وما فعله الآخرون بها ، وتحاسب كل الذين استغلوا هذه المهنة الشريفة وركبوا موجتها واختطفوها ، حتى إذا وقعت في المصيدة أو أصابها الهرم قذفوها بحجارتهم وأطلقوا عليها الرصاص. بوسع الصحافة التي تجتر خيبتها مع انكشاف ظهرها وأفول شمسها ان تعيد حساباتها من جديد، فهزيمتها في معركة الحريات اوصلتها الى الهزيمة في مواجهة “الأمعاء الخاوية” ، وفشلها في البقاء على كرسي “صاحبة الجلالة” انتهى بها الى الجلوس على الرصيف، كما ان قطيعتها مع جمهورها الحقيقي الذي هو الناس ، افقدها القدرة على تسويق بضائعها، وأغرى مدمني التصفيق لإسدال الستارة على الفصل الأخير من مسرحية البقاء للاقوى . عن أية حريات صحفية نتحدث ونحن نواجه صراعا على الوجود لا على الحدود، وعن اية مهنية نتساجل والصحافيون يودعون مهنتهم ويهاجرون الى البطالة ، او ينتظرون موعد إشهار وفاة صحافتهم الفقيدة للمشاركة في الجنازة التي ربما لن يسير فيها الا القليل من الذين ما زالت المهنة تسري في دمائهم ، وعن أية انحيازات اخلاقية لرسالة الصحافة يطالب البعض ونحن في “مأتم” أخلاقي انتحرت فيه قيم واعتبارات كنا نظن انها حقائق فاذا بها مجرد اوهام؟! في يوم الحريات الصحفية لا يشعر الصحفي بالحزن على الحرية التي غابت أو انتهكت، ولا على المهنة التي تم اغتيالها، ولا على تعب الليالي بين الحروف وحبر المطابع، بل يشعر بالخيبة على دولة اكلت ابناءها، وعلى مجتمع تنكر للاقلام التي تدافع عن حقوقه وقضاياه ، حتى نسي أن يذكرها بخير على قاعدة “اذكروا محاسن موتاكم” . ازمة الصحافة اليوم ليست فقط أزمة حريات ، بل أزمة “رغيف” وجوع، وازمة ضمائر ماتت، وازمة احكام صدرت بالإعدام غيابيا، وهي أولا وأخيرا أزمة دولة وليست ازمة صحافة فقط