لمن يهمه الأمر..
تملأ حُمى التعليم بكل قسماته ومتعلقاته الأجواء النخبوية والشعبية في الأردن، حيث لا زال يتمدد عمودياً من حيث المقامات المهتمة بشأنه، وأفقياً من حيث حجم الانتشار المؤسسي والفكري الساعي لإيجاد بيئة مُحفزة ووسط قاعدي لخلق حالة من الاعتدال في ظل حموضة بعض الأفكار والسلوكيات التي تغلف بعضه.
نيسان شهر التعليم بامتياز، حيث شهد ولادة توجه استراتيجي جديد برؤية ملكية لإعادة الاعتبار للتعليم الأردني على اطلاقه، وإعادة تعطير الأجواء لتفوح منه رائحة العراقة العلمية التي ما انفكت تلازمه مدة طويلة،إلى أن جنح عن مساره الطبيعي؛في ظل عوامل مساعدة للانحراف والانجراف أوهنت عناصره التي بدأت تفقد مقومات قوتها وصمودها، في خضم كل المستجدات الديموغرافية والتكنولوجية والنقص الحاد في هرمون الوطنية.
ولكن من المؤسف جداً أن تكون نهاية نيسان على وقع تجدد المعارك والمشاجرات الطلابية، وهنا لن اتحدث عن العنف،وأسبابه ومجدداته وطرق علاجه، ولكن سأكتفي بالقول بأنه ليس هناك أي اهتمام حكومي حقيقي بالتخلص من هذه الظاهرة المزعجة. فعلياً لا يوجد تطبيق حقيقي لكل التوصيات التي خرجت بشكل يستند على منهجية علمية وتعددية فكرية،لتطوير علاج فعّال لمتلازمة العنف الطلابي، فـالحكومة تبدأ متحمسة جداً ثم تعود الى حالة من الاستقرار بعد تناول جرعات خافضة ومهدئة للحماس.
ان خلق ثقافة تبرز نمطيتنا الاستهلاكية والتقليدية وتعمل على انتشارها بين الأوساط المختلفة، لا شك يهدد أي توجه نحو الابداع والإنتاج العلمي، وهنا فإن وزارة التربية والتعليم هي المُلامة بشكل أولي وكبير، فمثلاً نتابع على شاشة التلفزيون الأردني برنامج «نجم المدارس» والذي قد يكون أجمل ما فيه هو إيجاد روح للتنافس الفني بين الطلبة على أساس وطني عريض، فلماذا لا يكون في موازاة ذلك مسابقة « المخترع الصغير» أو « الطالب المخترع» بحيث يتنافس فيها علمياً طلبة المدارس الحكومية والخاصة ومن كل المراحل الأساسية والثانوية.
بحيث يتم تخصيص أسبوع وطني لعرض الاختراعات الطلابية، لينال اكثرها أهمية جائزة مادية « محرزة»، ومعنوياً يتم الدعم من خلال تولي وسائل الاعلام وبالأخص المرئية منها مهمة التشجيع والاشهار للاختراع وصاحبه. ان الايمان بفكرة جامعة كهذه من شأنه أن يُوحد الجسم الطلابي في المدارس ابتداءً، كما انه يوجه الطلبة لقضاء كثيراً من أوقاتهم في الانخراط ببيئة مُنتجة ومُحفزة وخالقة لابتكارات ولو بدت متواضعة في البداية، فلسوف تأخذ الأهمية والسبق مع التقدم العلمي والعمري لهم.
فوائد جمة يمكن تحقيقها من ذلك، تعود على الوطن بمفهومه الواسع وعلى الطالب وقطاع التعليم بالخير، من أهمها تعزيز ثقة الطلبة بأنفسهم، والادراك بأنهم قادرين على تقديم ما يمكن تقديمه لوطنهم بالرغم من صغر سنهم،كما يتم غرس ثقافة ثنائية الجزاء والعقاب كنتيجة طبيعية للأفعال، للتأكيد على فعالية النظام الاجتماعي والقيمي السائد، وتعليم الطلبة الجزء الآخر المهم من العملية التعليمية والمتمثل بالبحث العلمي الاولي والتطبيق العملي، وهذا يستدعي إعادة النظر بالمناهج المدرسية وبالأخص العلوم ومشتقاتها، والعمل على رفع الاهتمام بالمختبرات المدرسية إلى درجة أعلى.
في هذا الإطار تأتي مبادرة جلالة الملكة رانيا الأخيرة فيما يتعلق بالبرنامج التعليمي الوطني الهادف لتحسين مهارات القراءة والحساب للصفوف الأولى كحلقة مهمة في سلسلة مبادرات ملكية تعنى بتجويد مدخلات ومخرجات التعليم في الأردن. بكل وضوح هناك جهد مبذول من الجميع للارتقاء بالتعليم والمتعلمين، والمؤشرات تنبئ بمستقبل أفضل في ظل توفر الإرادة العليا والاستجابة المؤسسية لكل الطروحات البناءة والهادفة ولكن من المهم جداً العمل على ديمومة هذا الجهد وإعادة تحفيزه إذا استكان.