أهي قواعد لعبة جديدة.. في اليمن؟
تتلاحق الاحداث في الازمة اليمنية افقياً وعامودياً، بمعنى عسكرياً وسياسياً، على نحو يبدو الغموض والالتباس هما سيدا الموقف، اكثر مما تؤشر أو تضيء على احتمالات ماثلة لتجنب الانزلاق الى حرب اقليمية (بمشاركة او دعم دولي)، في ظل ازدحام منطقة بحر العرب وخصوصاً باب المندب وخليج عدن، بالأساطيل العربية والاميركية وتواجد قطع عسكرية ايرانية في المياه الدولية، فضلاً عن الانباء التي تتحدث عن «قافلة» بحرية ايرانية تمخر عُباب البحر وتخضع لمراقبة اساطيل حلف عاصفة الحزم، إضافة الى القطع البحرية العسكرية الاميركية بما فيها حاملة طائرات عملاقة خرجت من مياه الخليج في اتجاه السواحل اليمنية.
في خِضم ذلك التصعيد المحمول على امكانية عبور الأزمة نقطة اللاعودة وانخراط اطرافها في معركة وجودية، بمعنى الانتصار او الهزيمة، بكل ما يترتب على «المشهد الأخير» هذا، من تحولات في موازين القوى والتحالفات والاصطفافات وبروز قوى اقليمية «كبرى» جديدة او متجددة وضمور اخرى او زوالها، تبدو مثيرة الانباء المتفائلة (نسبياً بالطبع) الآتية من طهران وخصوصاً موسكو، عندما يتحدث دبلوماسي ايراني مرموق مثل حسين امير عبداللهيان، الذي يشغل منصب مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والافريقية (يقول كثيرون انه الرجل الاقوى والدائم في وزارة الخارجية سواء في عهد نجاد ام الشيخ روحاني)..
انه «متفائل» بامكانية اعلان وقف لاطلاق النار في اليمن اليوم الثلاثاء (أمس). وبصرف النظر عن امكانية حدوث ذلك ام تراجع هذا الحدث الدراماتيكي الأهم (إنْ حدثْ)، فان المسؤول الايراني لم يكن ليُطلِق تصريحاً مثيراً (إقرأ غريباً) كهذا، لولا استناده الى معطيات وأسباب ومبررات تستدعي بث مثل هذا التفاؤل الذي كاد ان يغيب عن رادارات العواصم الاقليمية والدولية، بعد اربعة اسابيع من القصف الجوي قال في نهايتها الناطق باسم عاصفة الحزم الجنرال عسيري: ان الاهداف «الاستراتيجية» للعاصفة قد «تحققت»، وانه يجري ملاحقة تجمعات الحوثيين وانصار علي عبدالله صالح..
ثمة اذا رابط «ما» بين تصريحات عسيري عن «تَحقُّقْ» الاهداف الاستراتيجية و»تفاؤل» عبداللهيان المفاجئ، وبخاصة ان الدبلوماسي الايراني عزا تفاؤله الى «جهود كثيرة بُذلت استهدفت تحقيق وقف لاطلاق النار»..
ماذا عن موسكو؟
ربما يكون الاتصال الهاتفي الذي حصل بين الرئيس الروسي والملك السعودي هو الأكثر اهمية واثراً في سبيل للتوصل الى حل سياسي للأزمة اليمنية، من تلك الاشارات غير الواضحة تماماً، التي اشار اليها عبد اللهيان, وهو ما تعكسه البيانات الحَذِرَة (ولكن المُوحِيَة) التي صدرت عن كل من موسكو والرياض, ليس فقط في المفردات والكلمات السعودية الدافئة والشاكرة لموقف موسكو من قرار مجلس الأمن رقم 2216، وانما ايضاً في موافقة الطرفين على «ضرورة» الحل السياسي في اليمين, وهو ما ارتبط على نحو جلّي في الدعوة التي وجهها الرئيس الروسي للملك السعودي لزيارة موسكو, وهي زيارة ان – إن حصلت – في توقيت قريب (قبل 16 ايار المقبل موعد القمة الاميركية الخليجية في كامب ديفيد, التي دعا اليها الرئيس الاميركي) فإنها ستكون «مُدوّية» حقاً وذات أثر كبير على معادلة التحالفات في المنطقة, لأن الرياض بذلك تكون قد «اقتربت» عن سبق اصرار من موسكو، في اشارة لا تخلو من دلالة عن غضبها أو «عتبها» من الموقف الاميركي الرخو أو الليّن على ما يقول بعض الاعلاميين في الخليج… تجاه طهران، وبخاصة بعد انجاز اتفاق لوزان الاطاري، حيث من المقرر ان يتم التوقيع على اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الايراني في حزيران الوشيك.
وبصرف النظر عمّا اذا كانت زيارة العاهل السعودي ستتم قريباً أم لا, فإن مجرد الاتصال الهاتفي الذي بادر اليه الملك سلمان, يعني أن الرياض تستدعي موسكو (ربما) للعب دور الوسيط او المهدئ او ممارسة الضغط على «حليفها» الايراني, الذي لم يتوقف للحظة منذ بدء القصف الجوي السعودي على اليمن، عن التحذير وتوجيه التهديدات والتبشير بهزيمة سعودية مدوّية, حدّ اعلان الإمام خامنئي رفع جهوزية (حال طوارئ) الجيش الايراني لمواجهة أي عدوان على ايران!
اذا ما شهدنا تحرّكاً سياسياً ودبلوماسياً روسياً في القريب العاجل, فإن موافقة روسيا على القرار 2216 وعدم استخدام الفيتو, يؤشر الى حكمة روسية، اشار اليها مسؤول روسي رفيع (بوغدانوف) بشكل غير مباشر، عندما قال: ان الامور في اليمن لن تنتهي عند القرار 2216. ما يعني ان ثمة فرصة لاستدراك الامور، وعدم السماح للتصعيد وأصحاب الرؤوس الحامية، في فرض جدول الاعمال الذين يريدون على المنطقة.. دولها والشعوب, وأن «طريق» السياسة والمقاربات الدبلوماسية.. لم تُغلق بعد.
أهي قواعد لعبة جديدة, آخذ في البروز والتشكّل؟
.. ربما, ولكن دون تفاؤل أو تشاؤم.. كبيرين.