التالي للغالي
زمان , وحين أتأخر , عن وجبة الطعام …بسب إنشغالي في مباراة كرة قدم مع رفاق الصف السادس , كانت أمي تبرر نفاذ (المقلوبة) بكلمة :- (التالي للغالي) ماهو التالي ؟ بقايا سلطة , والقليل من الرز …ورائحة دجاج فقط , وأن كنت أؤمن بأن عطف أمي وحنانها يكفي …
ذات يوم صنعت (هرايس) وأنا لم أكن ألعب ولكني ذهبت , لشراء ( جركن كاز) وحين عدت كانت ثمة بقايا , وعللت الأمر بنفس الطريقة … ( التالي للغالي) ..صدقوني أني لا اعرف من إبتكر هذا المصطلح , ولكنه كان تبريرا للنسيان فلقد نسوا حصتي , وبرروا الأمر بهذه الجملة .
أعترف أني في أيام الصيف كنت أمضي وقتا طويلا في الخارج , وذات يوم عدت أيضا جائعا …والعطش يفتك بي , ووجدت بقايا (ملوخية ) …ساعتها لم أكلف أمي عناء قول هذه الجملة :- (التالي للغالي) …وقلتها أنا ,في إطار الغضب والإستياء وأنا اعرف قلب الأم وعطفها وأعرف أن الولد لديها …أغلى من العمر , حين نطقتها …تغير المشهد فقررت يومها أن لايكون التالي هو حصتي , عادت لعملها مباشرة وأنتجت لي طنجرة مقلوبة …
ثمة عزة في نفس العربي , في نفس الإنسان الشرقي تمنعه عن أكل بقية الطعام ..وقد تم إبتكار هذا المثل لتبرير , هذه المسألة …وأن الغالي دوما يحظى ببقية الطعام .
في حارتي , كل الجنسيات تسكن ..وأنا اسكن أصغر شقة وأضيق مكان ..طبعا التالي للغالي …
وفي مساحات الكتابة , تكون لي أصغر مساحات …وأؤمن أن التالي للغالي .
.
وبعد عشرين سنة من الصحافة , والكتابة للبلد بكل ما فيها من عشق وغرام ..دخلت السجن , وبالطبع …التالي للغالي .
هل بقي (تالي) ..لم يبق شيء , والغريب … بعد رحيل هذا العمر أكتشف بأنني لم أكن الغالي , كانت مجرد …تطمينات هدفها أن ترضى .