0020
0020
previous arrow
next arrow

"فيسبوك": بوابة المقارنة سارقة البهجة!

1

وكالة الناس

 يغدو الفضاء الأزرق “فيسبوك” رغم شبكته العملاقة التي وصل عدد مستخدميها عالميا الى 1.35 مليار مستخدم في العام 2014، خطرا كبيرا بسبب العواقب الصحية والعقلية التي يخلفها استخدامه والتي وصلت للاكتئاب وتدني تقدير الذات ومرارة الغيرة، بحسب أحدث الدراسات العالمية.
ووجدت هذه الدراسة التي نشرت الأسبوع الماضي بمجلة Journal of Social and Clinical Psychology، أن “فيسبوك” لا يسبب أعراض الاكتئاب وحسب، ولكنه يشكل عاملا لظاهرة نفسية تعرف بـ”المقارنة الاجتماعية” مثل النظر الى من هو أكثر وسامة أو شعبية أو وضعا اجتماعيا ما، ما يجعل الآخرين يشعرون باكتئاب وعزلة.
ولفتت الدراسة الى أن معظم الناس يميلون إلى التفاخر على موقع “فيسبوك”، لذلك فهم يصورون أنفسهم دائما في أفضل الأحوال، ولا يعرضون سوى الجوانب الجيدة فقط في حياتهم، محاولين إخفاء السيئة، ومع ذلك “فنحن لا ندرك أن هذا يحدث، ونحن نحاول دائما أن نقارن أنفسنا بالآخرين، بما حققوه وبما وصلوا إليه، وسنشعر لاإراديا بأننا لا نعيش الحياة الطيبة نفسها التي يتمتع بها أصدقاؤنا”.
وذهبت الدراسة الى أن مدمني “فيسبوك” حينما يقارنون أوضاعهم الاجتماعية دائما مع غيرهم، يؤدي ذلك إلى زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب المزمن. وأن عدم إعجاب الأصدقاء بالمحتويات التي ينشرها البعض يولّد نوعا من مشاعر الحزن.
ومن هنا، يؤكد اختصاصيون في علم النفس والاجتماع، بضرورة وضع حد للطريقة التي يتم التعامل فيها مع هذه الوسيلة، خصوصا في كم الوقت الذي تتم تمضيته وحتى بطريقة النظر اليه، وعدم نسيان أنه عالم  افتراضي ومشاعره ليست حقيقية، مؤكدين أن من ينشغل بمراقبة غيره ومقارنة حياته به يعاني من مشاكل مختلفة، فضلا عن أنه يفتقر لمهارات في التواصل الاجتماعي، وهو شخص غير منتج اجتماعيا وغير قادر على التفريق بين الافتراض والحقيقة.
وبحسب أرقام رسمية نشرتها “الغد” صادرة عن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات على موقعها الإلكتروني، بينت توسع قاعدة مستخدمي شبكة الإنترنت في المملكة لتضمّ مع نهاية العام الماضي حوالي 5.7 مليون مستخدم، تشكل جزءا أساسيا من الحياة اليومية للأردنيين في التواصل الاجتماعي أو لتسيير أمور العمل. ويأتي الأردن في المرتبة الثالثة على المستوى العربي في مؤشر الاستخدام اليومي لشبكة “فيسبوك” التي تتيح إمكانيات التواصل الاجتماعي وتبادل الآراء والتعليقات والأخبار بين أعضائها.
ومن جهته، يرى الاختصاصي النفسي د.محمد الحباشنة، أن الشعور بالاكتئاب الى جانب المقارنات الاجتماعية متوقع لمواقع التواصل الاجتماعي عموما، و”فيسبوك” خصوصا لما يحمله من حياة افتراضية، خصوصا على صعيد المشاعر؛ حيث يعيش الإنسان كينونته الاجتماعية بطريقة غير حقيقية، وهذا من شأنه أن يقلل من الإنتاجية الحقيقية على حساب الإنتاجية الافتراضية الوهمية.
ويلفت الحباشنة إلى أن التواصل الافتراضي كمي لا نوعي، والمقارنات عبره تفتقر الى الشفافية، لأن الشخص يبحث عن طريقة يظهر من خلالها امتلاءه بنفسه، أما على أرض الواقع فالأمر مختلف.
وأظهرت نتائج الدراسة أن مستخدمي “فيسبوك” في كثير من الأحيان يحكمون على أنفسهم من خلال المقارنة مع أصدقائهم، ووجدوا أنهم أيضا يعانون من حالات نفسية سيئة. وعلى وجه التحديد، وجدوا أن معظمهم يعاني من مشاعر الحزن، وعدم وجود أمل في المستقبل، ويغضبون بسهولة.
وأوضح فريق البحث حقيقة أن مستخدمي “فيسبوك” يمكن أيضا أن يقارنوا أنفسهم بالأقل حظا منهم، إلا أن الاستخدام المنتظم لـ”فيسبوك” يهبط بمزاجهم العام، مما يولد حالة من تدني الاحترام للذات، ومع الوقت يشعرون بالأسوأ.
ويبين الاختصاصي الاجتماعي د. حسين خزاعي، أن مواقع التواصل الاجتماعي ونتائجها الإيجابية لن تمر بدون نتائج سلبية، خاصة اذا كانت الاستخدامات تهدف لتحقيق إشباعات فوق المستوى المحدد؛ حيث إن الهدف يتحول لحالة حساسة وتوتر غير مبرر، خصوصا حين تكون النتيجة بخلاف ما يتوقعه المستخدم.
ومبدأ المقارنة الاجتماعية عبر “فيسبوك” للمستخدم يرتبط بغياب التواصل الاجتماعي الحقيقي، بحسب خزاعي، موضحا أن مثل هؤلاء الأفراد يعانون من عزلة اجتماعية، وتظهر الأولوية الحقيقية للتواصل عبر عالم افتراضي الذي يظهر الأشياء على غير طبيعتها، ويحاول الأشخاص فيه أن يبثوا أفضل لحظاتهم والتي يكون جزء منها بعيدا عن الواقع، وتبدأ هنا تلك المقارنات.
ويذهب الحباشنة الى أن المقارنة الاجتماعية عبر مواقع افتراضية تظهر أن فاعلها يعاني من عدم قدرته على العيش بواقعه، فالأصل أن تكون العلاقات في الحياة اليومية، وتحقيق الإنجازات فيها، أما الانتقال للفضاء الافتراضي وقياس المشاعر عبره، فذلك أمر بعيد عن المنطقية والدقة والعمق؛ حيث إن العلاقات الإنسانية فيها ضعيفة وغير مكتملة الأركان وخالية من المشاعر المتدفقة، وجافة.
ويستبعد الحباشنة القدرة على قياس النجاح والفرح وحتى الإحباط أو تعزيز المشاعر من خلال ما ينشره الآخرون على “فيسبوك”، لأنه مجرد واجهة غير حقيقية، فالعالم الافتراضي يختلف عن الحقيقة، وهو مجرد أداة للتواصل.
ويلفت الحباشنة الى أن المقارنة من هذا النوع أشبه بالقنوط أو الإفلاس العاطفي، ومحاولة للفت الانتباه والاستجداء، بعيدا عن التركيز على  الحالة الملموسة، منوها إلى أن صديق “فيسبوك” ليس صديقا حقيقيا وأي علاقة وتواصل عبره ليس إلا “تواصل سطحي والصديق ليس سوى افتراضي ولا تتوفر معان للصداقة الحقيقية؛ حيث إن التواصل لا يعني كلمات ومراسلات رقمية أو ردود فعل وتعليقات تكتب على صفحات الانترنت”.
ويوضح أن من يمضي ساعات طويلة على “فيسبوك” يصير في حالة شبه انفصال عن الواقع، وحالة من النكران الذاتي في الواقع، ووسيلة للهرب من الواقع.
ويتفق الخزاعي مع الحباشنة، ويلفت الى أن المقارنة الاجتماعية مرتبطة بفضول أفراد يتصيدون في هذا الفضاء الرقمي، وبالعادة هي شخصيات حسودة عدوانية، وغير منتجة، وتحكم على غيرها بالمظهر لغياب الشفافية في وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة “فيسبوك”، التي تتيح للفرد أن يخفي عيوبه ويظهر حسنات أخرى.
وتنصح الدراسة بالتقليل من الضرر، وهو الأمر نفسه الذي نادى به كل من الخزاعي والحباشنة، معتبرين أن هذه الوسائل لها وجهان أحدهما سلبي والآخر إيجابي؛ وتحتاج لإدارة وقت وتنظيم.
ثيودور روزفلت قال ذات مرة “المقارنة سارقة البهجة”، لذلك يجب أن تتوقف المقارنات الوهمية، فالحياة أكثر من مجرد تسليط للضوء على لحظات تفاعلية افتراضية، بل التركيز على واقع ما نملكه في الحقيقة وأن التكنولوجيا وجدت لجعل الآخرين يشعرون بالهدوء والسكينة، والسعادة وليس العكس.