عندما يسكن الشيطان في قلم الكاتب
وكالة الناس – كتب. الدكتور/ رجائي حرب
إخوتي وأخواتي
سلامٌ على وطني
مع انكشاف سوءة البعض من الاعلاميين والصحفيين الأردنيين وصمتهم المطبق على ما تنناقله وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة العالمية من تُرَّهات وتمريرات لبعض الأجندات والمؤامرات التي اعتدنا على سماعها من حين لآخر حول مستقبل الأردن وحل قضايا المنطقة على حساب استقراره وأمنه، وجعله خارج نطاق السيادة والتلاعب به وكأنه أرض جرداء بلا شعبٍ عظيمٍ مؤمنٍ بأرضه وعقيدته وأردنيته، ثم يتلاعبون بنا كقطيعٍ هائمٍ في شعابِ وادٍ غير ذي زرع وغير مؤثر وليس له قيمة أو تأثير في المنطقة ولا في في قضاياها؛ فمن أكبر الكبائر أن لا تثور ثائرة الشرف عند كل أردنيٍ (شبع من حليب أمه) ليقول كفى لهذه المهزلة التي تسحب بساط الوطن من تحت أقدامنا يوماً بعد يوم وتريد أن تلقي بنا في مهاوي الردى.
إلى متى سنبقى نقرأ هذه السموم التي يبثها بعض مَنْ يسمون أنفسهم أردنيين ويتبجحون بهذه المهازل على صفحات الصحف العالمية ويمهدون لمؤامراتٍ شيطانيةٍ تحاك ضد الأردن الغالي على قلب كل شريف، وتبقى ثورتنا مقتصرةً وبلهاء على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بينما نحن متكئون على فراشنا وأمام شاشات التلفاز التي تنقل حفلات المجون من العقبة وجرش وعمان بينما مخطط الذل والهوان والتركيع يُنَفَّذ ويسري في عروق وطننا كما يسري الشيطان في جسد الانسان لغوايته.
إلى متى سيبقى تاريخنا مبهم ولا يقرأه أبناؤنا ولا يعرف منه شيئاً؛ وحتى لو أردنا أن نقرأه فلا يصل منه إلا معاني المؤامرة والخداع والاستسلام المطبق ليهدموا فينا جذوة العزة والافتخار، حتى غدونا نقرأ اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفورد المشؤوم مجزوأتان دون التطرق لما تضمنته الاتفاقيتان من مؤامرة ضد الأردن وشعبه، ويتم إخفاء ما تلا تلك المؤامرات من مخططات لإضعاف هذا الوطن وشعبه وتمزيق أوصاله حتى يحين موعد التخطيط الشيطاني.
فيفترسنا بكل سهولة وبلا مقاومة بعد أن يكون قد أنهك الأردنيين بتضييع هويتهم وتمزيق أوصالهم بالفتنة والفقر والبطالة وقلة الحيلة والديون وعدم كفاية الرواتب واستقدام اللاجئين من فترة لأخرى من كل حدبٍ وصوب ليستوطن هذه الأرض ويشوه هويتها الأردنية النقية؛ ووسط كل ذلك والأردنيُ شامخُ لا يتزحزح ولا يئن ولا ينحني، ويحمل كل ذلك الثقل ويتقاسم لقمة العيش مع أخيه العربي، ويتحمل كل هذا الضنك، حتى أصبحنا نحن والقهر توأمان ونحن والضياع شريكان.
إلى متى ستبقى هذه المؤامرة تنهش بجسد هذا الوطن، ومؤامرة استهداف وجودنا تستبيح كل ما بناه الأردنيون منذ زمن الملك ميشع الأردني، صاحب المسلة التاريخية التي صاغ بها عظمة النفس الأردنية وبقيت خالدةً حتى وصلت إلينا، فقامت عليها صورة الشهامة والرجولة التي التصقت بالأردني إلى يومنا هذا، ومنذ زمن الملك النبطي العربي الأردني الحارث الأول، ملك البتراء، وراعي طريق تجارتها، ومؤمِّن قوافلها، وحامي بضاعتها وأماناتها، ومغيث المحتاج من جيرانها.
وهنا أقول لأؤلئك المتنطعين والسائرين خلف عطايا وهبات النقود من الصحفيين والاعلاميين السقط؛ كيف يمكن أن نفرط بهذا الأرث الطاهر، وبهذه العظمة المتألقة أمام حفنةٍ من الدنانير يا عُبَّاد المال ويا لصوص الأوطان ولاعقي الأحذية الذين لا يهمهم الأردن ولا يعني لهم شيئاً ؟
كيف تفعلون ذلك يا سقط التاريخ ومتسلقي سنديانة الاعلام الشريفة؟ كيف تفعلون ذلك وقد حملتم جنسية هذا الوطن التي شرفتكم وجعلتكم مقبولين أمام العالم؟ كيف وقد أكلتم من طعامه ووطئتم أرضه؟ ولكن عندما ننظر بعين الحق وبصيرة العارف نجد أنهم لم تنبني هياكلهم العظمية من صخور هذا التراب ولم يشربوا من ماء نهره ولم يأكلوا من سنديانات جباله، فكانوا لصوصاً بكل معنى الكلمة وخونةً بكل امتياز.
إلى متى سنبقى جالسين على المدرجات ونشاهد مخطط تصفية الأردن وتسليمه على طبقٍ من ذهب لليهود من قبل عناصر المؤامرة العالمية أو ليكون وطناً بديلاً لمن سيُطرد من إخوتنا الفلسطينيين أو غيرهم من ديارهم في موجة الطرد الثالثة أو الرابعة أو الخامسة والتي يخطط لها اليهود وأتباعهم وسط هذه الفوضى المتفشية في المنطقة، سواءاً بالقوة أو بالتصفية السياسية والمتكئة على صفقة القرن الظالمة، وبعض من يدعون أنهم صحفيون يكتبون مقالاتٍ محتواها سمٌ زعافُ يفتح الطريق لقبول الأمر الواقع وتركيع الناس وبث اليأس في النفوس للاستسلام وقبول الذي يريده عدونا الأبدي.
لقد تلاعب الغرب بنا كعرب منذ بداية القرن الماضي وعقد مؤتمر كامبل عام 1907 ليخلق موطيء قدم للملعونة إسرائيل في قلب الأمة العربية، ثم قسم المنطقة بين الاحتلالين البريطاني والفرنسي بموجب اتفاقية سايكس بيكو الخبيثة، ففتح الطريق بعد ذلك لإصدار وعد بلفورد وإقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين العربية.
فاكتملت بنية المؤامرة الشيطانية الأولى، ومضت في نهج فتنة الأمة والسيطرة على أنظمتها السياسية وافتعال الحروب والخلافات لتمزيق أوصالها. فنجحت في ذلك نجاحاً باهراً حين جعلتنا أعداءاً يلعن بعضنا بعضاً، وغدونا نقدم مفهوم الدولة الوطنية بحدودها المفتعلة على معاني الأمة العربية الراقية.
ولم يتوقف شياطين السياسة العالمية عند هذا الحد بل أرادوا للسرطان اليهودي المزروع في فلسطين أن يتمدد وينتشر ما بين الفرات والنيل ليتحقق وعدهم المزعوم بكل السبل. فضغطت هذه القوى اللعينة بكل قوتها ولوَّحت بالترهيب والترغيب لعقد اتفاقيات السلام المزعومة مع الانظمة السياسية في المنطقة، بينما الشعوب رافضةً كل الرفض لهذه الاتفاقيات الظلمة، لأنها تعلم مدى الخطورة الكامنة في كل حرفٍ من حروفها؛ ثم تمتد يدُ البغي لتحاول سلب وطننا الأردن منا وأمام أعيننا؛ فهل نبقى صامتون.
هل نبقى صامتون وذئاب البشر يرتعون في أوطاننا فيسرقون منا أرضنا وتاريخنا ومستقبل أطفالنا
هل نبقى صامتون ومرتزقة الشعوب يعيثون في الأرض فساداً ويسرحون ويمرحون تحت ما يسمى بالسلام المزعوم وأنظمتنا وأدواتها في بلداننا يمنعوننا من قول لا لحثالة البشر وشُذاذ الآفاق ورُعاة الارهاب المنتشرون في كل مكان في أوطاننا.
هل نبقى صامتون ونحن نرى اتفاقيات الدفاع المشترك يتم توقيعها مع أعدائنا ولا نقوى على توقيع اتفاقية واحدة مع دولة عربية شقيقة لتحمي ظهورنا أو تقوي عزيمتنا إذا ما اسّْودَ ليلنا؟ هل نبقى صامتون بعدما دفنوا اتفاقية الدفاع العربي المشترك وتم تأبينها منذ زمنٍ بعيد، فأين العراق البطل ليحمي ظهورنا، وأين مصر العروبة لتبني كرامتنا، وأين سورية المجد لتكون رافعة أمتنا بشموخها؟!
ولماذا تم هدم أعمدة النظام العربي الثلاث بذريعةٍ أو بأخرى؟! وما سيحصل لنا في الأردن على سبيل المثال لو انسحبت الجيوش الأمريكية من قواعدها في الأردن تحت أية ذريعة كانت وتستبدل جيوشها بقوات إسرائيلية بأية لحظة ما دامت بنود اتفاقية الدفاع المشترك والموقعة معهم تسمح بذلك، وكيف سنتمكن لحظتها من مقاتلة عدونا اللدود ساعتها وهو ينام في أحضاننا وبين ظهرانينا ويفترش أرضنا ويلتحف سماءنا؟
نحن في مأزق يا إخوتي ولا بد من الوعي الكامل بكل هذه الظروف، وكل واحدٍ منا مسؤولٌ مسؤوليةً مباشرةَ عن كل ما يحدث على هذا التراب الطهور لأن الوطن للجميع وليس لشخصٍ واحد أو فئةٍ بعينها؛ فكلنا على ثغور هذا الوطن: الملك والوزير والجندي والطبيب والمعلم والمزارع والاعلامي والكاتب الصحفي وجميع المواطنين لا يُستثنى منهم أحد، ولا يجوز الاستهتار ولا التهاون ولا الخذلان. وكفى استهتار، وكفى تنصل من المسؤولية، وكفى خنوع؛ فالوطن هو شرف المرء وعرضه ولا يجوز الاستهانة بكل ما يحصل به لأن الطامة على الأبواب؛ وإذا وقعت فلن تبقي ولن تذر، وستأكل الأخضر واليابس، وستبدأ أول ما تبدأ بسحق الضعفاء الخانعين ولن ترحم.
دعونا يا إخوتي نقف وقفة الأردني المليئة بالتحدي لكل أقلام الاستسلام والخنوع، للأقلام الزائفة والمستسلمة والمسمومة والأيادي المرتجفة؛ ولنقول لهم من القرآن الكريم ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسؤولا)؛ فما من حرفٍ يُكتب إلا ويعلم الله ما وراءه من نيات ومبتغيات، وسيجازيكم بما كتبتم وستعلمون عظم الخبث الذي بثثتم يوم الموقف العظيم.
دعونا إخوتي نقف وقفة البطولة والوعي النابع من قلب الأردني الممتليء حباً وعزةً وشهامةً ونخوة؛ حباً لتراب هذا الوطن الذي آوى المهاجرين والأنصار فكفكف دموعهم ومسح أوجاعهم، وعزةً دائمةً بنصرة المظلوم بغض النظر عن دينه وعرقه، وشهامةً بغوث كل مكروب قست عليه الأيام فأحس بالضياع، ونخوةً بعدم قبول الظلم والاستعباد للآخرين فكيف يقبلها على نفسه.
ولا بد أن نستيقظ من غفوتنا ونصحو من كبوتنا لنعرف حقيقة ما يحدث حولنا في أردننا العزيز على قلوبنا، لنكون رأس حربة الدفاع عن أرضنا وعرضنا وشرفنا لأن المثل يقول ( ما بحرث الأرض إلا عجولها) ونحن نقول: بأن دماءنا ستغدو رخيصةً أمام هيبة الوطن الذي نبتنا في جباله كما تنبت سنديانات عجلون والسط والكرك، ونهب أرواحنا فداءاً لترابه الطهور الذي ضم أجساد الأنبياء الطاهرة والصحابة والصالحين من كل الشرائع، ورسم على ضفاف نهره الخالد حدود الدم والشرف والإباء؛ عهداً إلهياً، ووعداً نبوياً بأن نحارب عدونا الأوحد من شرق النهر ويحاربوننا من غربه؛ يوم النداء القريب للنصر والفتح إن شاء الله.
وأقول للأغلبية الصامتة في وطني والتي استكانت فهانت عليها أنفسها، وهان عليها وطننا الأردن، ورخصت في عيونها قيمة الأرض المباركة حتى غدت بالنسبة إليهم أصفاراً على الشمال لا تسمن ولا تغني من جوع، فاللهَ أسألُ أن يوقظكم من سباتكم الشتوي الطويل، وأن يجعلكم تعرفون كم أصبحتم عبئاً على هذا التراب الغالي، وكم أصبح صمتكم على هذا الوضع المؤلم قاتلاً ويجعل كل حرٍ شريفٍ يشعر بالغثيان من طوله الممل.
فكيف بكم وأنتم تشاهدون هذا الموج العرم من الظلم والقهر يغتال وجودنا ويستبضع بوطننا ويخترق أكبادنا وأنتم تنعمون بغفلتكم ولا هم لكم سوى تعبئة بطونكم الجرباء وممارسة فحولتكم الواهمة وإيهام أنفسكم أنكم بشر وأنتم شر مكاناً وأضعف نفوسا. إستيقظوا من غفوتكم وانفضوا رؤوسكم من وساوس الشيطان الكامن في عقولكم واعلموا أن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.