موسم الزيتون “زيته طيب .. و لقاطه بشيب”
“ادهن/ي زيت زيتون” هذه الوصفة السحرية التي صرفتها لنا الجدات و الأمهات دون وصفة طبية و لربما لا زلن حتى يومنا هذا باعتبارها دواء لكل داء حسب قناعتهن المطلقة بها، هذه الثقة التي بنيت لدى أجدادنا عبر الأزمان السابقة مع شجرة الزيتون نتجت عن التجربة التي تعتبر خير برهان لديهم و بقيت صافية لا يشوبها شائبة مثل زيت ثمارها تمامًا، و التي ارتبطت بالأساس بكونها شجرة مباركة ذكرت في القرآن الكريم في أكثر من آية بشكل صريح، و ذكرت أيضًا بقوة في الكتاب المقدس الانجيل، و شكلت رمزًا للسلام و القوة و الحكمة و النصر أيضًا لدى العديد من الحضارات عبر التاريخ، بالاضافة لاستخدام الزيت في طقوس دينية و مباركة للشفاء.
ومن منا لم يستخدم أو يسمع بالصابون النابلسي، و الذي يتعدى كونه صابونًا عاديًا فهو الأكثر تعقيمًا و الأكثر فائدة للوجه و الشعر و علاج حب الشباب و رائحته الأجمل و لونه الأنقى كما تقول أمي و هي واحدة من بين الكثيرين ممن لا يؤمنون الا بالصابون النابلسي بكونه طبيعي و لا يحتوي على أصباغ أو مواد كيماوية و مصنوع من زيت الزيتون البكر، هذا طبعًا بالاضافة الى قيمة زيت الزيتون الغذائية العالية حيث يحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات، والمعادن، والعناصر الأساسية، و يتميز أيضًا بامكانية استخدامه بشكله الخام في تحضير السلطات و اضافته على بعض الأطباق كالحمص و اللبنة اضافة لكونه رفيق و توأم الزعتر الذي يزين موائد الافطار بأشكاله المختلفة في بلاد الشام و خاصة الأردن و فلسطين.
“الشجرة المباركة” أو “شجرة النور” التي وصفت بأنها تعطي أكثر مما تأخذ، بالقليل من الرعاية المتقنة تقدم لنا ثمارها الطيبة التي تعد مصدر رزق للكثيرين، ففي الأردن مثلًا تعتبر مصدر دخل لنحو 80 ألف أسرة بحسب تقديرات وزارة الزراعة، و تجنى ثمارها اما للكبيس زيتون “رصيص” أي مكبوس مع الليمون و الفلفل، أو لعصرها و انتاج زيت الزيتون الذي يتربع على عرش الزيوت الصحية و الأكثرها لذه في العالم، بالاضافة الى أن هذه الأشجار تتميز بموسم القطاف الذي و بالرغم من الجهد المبذول فيه الا انه يمتلك لذة و متعة مختلفة و فعلًا ينطبق عليه المثل الشعبي “زيته طيب و لقاطه بشيب”، حيث كان و ما زال يشكل مهرجانًا مليئًا بالطقوس الاحتفالية خاصة في بلاد الشام و تحديدًا الأردن و فلسطين فعلى أنغام “على دلعونا و على دلعونا زيتون بلادي أجمل ما يكونا.. زيتون بلادي و اللوز الأخضر و الميرامية و لا تنسى الزعتر.. و اقراص العجة لما بتتحمر مطيب طعمتها بزيت الزيتونا” يحضر أفراد العائلة و أهالي المنطقة أثناء “تلقيط” الزيتون الشاي على الحطب الى جانب استمتاعهم بتحضير أطباقهم في منطقة العمل مثل قلاية البندورة أو قلاية اللحمة و “السلطة الفلاحية” المكونة من البندورة و الخيار و البصل و زيت الزيتون و غيرها من الأطباق التي تمدهم بالطاقة أثناء العمل في مكان واحد اجتمعوا فيه على حب الزيتون و رائحته المباركة.
طبعًا موسم القطاف و موعد قطف ثمار الزيتون يختلف تبعًا لدرجة النضج و الغرض منه سواءً كان للكبيس أو للزيت فالمناطق الدافئة تنضج ثمارها أسرع من المناطق الجبلية و لكن اجمالًا يبدأ موسم القطاف بداية تشرين الأول من كل عام، و بحسب ارشادات مزارعين و مختصين فان موعد القطاف يعتمد أيضًا على اختلاف الأصناف و الغرض من استخدام الثمار فاذا كانت بغرض التخليل فيجب قطفها عندما يتحول لون الثمرة من الأخضر الى الأخضر الفاتح و الزيتون الأسود عندما تصبح كامل الثمرة باللون الأسود، أما لغرض عصرها فيفضل أن لا تتأخر الثمار على الشجرة بل ينصح بقطفها عند نضوجها و ظهور بقع بنفسجية أو سوداء على الثمار.
أما فيما يعرف بـ”شتوة الزيتون” و ان تعددت تسمياتها مثل “شتوة المساطيح” بسبب هطولها على التين و العنب المفروش على الأسطح لغايات تجفيفه، أو “شتوة منبهات الرعنة” لأنها تنبه المرأة التي وصفت بالكسل و أدركها الوقت لغايات تجهيز المنزل لموسم الشتاء و غيرها من التسميات و كما يقول المثل ” القمح والزيت عمار البيت”، يعد انتظارها مهمًا لدى الفلاحين حيث تعتبر بمثابة بداية تقويم جديد يفتتح موسم القطاف و تتميز بأنها خفيفة و تكون أحيانًا على شكل نقط و ينتظرها المزراعون بفارغ الصبر و يبدؤون بقطف الزيتون بعدها و ذلك لأنها تغسل أشجار الزيتون من الغبار و الأتربة و تسهل عملية جني الثمار اضافة الى انها و هو الأهم تزيد نسبة الزيت.
وبعد كل هذا الجهد تعصر ثمار الزيتون لتنتج زيتًا صافيًا يتم الاحتفاظ به و استخدامه طوال العام و خاصة في الشتاء و لا ننسى ان مادة الجفت الناتجة من مخلفات عصر الزيتون تستخدم للتدفئة و خاصة ان أسعارها أقل من باقي المحروقات، و يحتفل أصحاب الزيتون بتحضير بعض الأطباق مثل “المكمورة” المكونة من طبقات عجين بزيت الزيتون يتوسطها البصل و اللحم أو الدجاج و تشتهر بها مناطق شمال المملكة و هي واحدة من أطيب و ألذ الأطباق التي أنتظر حلول الموسم لتناولها و أنصح بتجربتها لمن لم يتذوقها من قبل، اضافة الى المطبق و فطائر العجين و البصل و مثل ما بقول المثل “الزيت في العجين ما بضيع”، و بالتأكيد لا ننسى الطبق الفلسطيني الأشهر “المسخن” الذي تتزين به الموائد في موسم الزيتون، و غيرها من الأطباق التي تحضر بلذة زيت شجرة السلام.
وبالاضافة الى ان الأردن غني بأشجار الزيتون و يصنف عالمياً بأنه عاشر دولة في إنتاج الزيتون، و هو عضو في مجلس الزيتون العالمي، يتميز أيضًا بزراعة هذه الأشجار في حدائق المنازل و على أرصفتها بدلًا من أشجار الزينة و هو ما يشكل مشهدًا جميلًا في موسم القطاف و لك أن تشاهد أفراد العائلة أو عابري السبيل على الأرصفة يجمعون ثمار الزيتون و بكل فخر و حب أقوم بهذا العمل سنويًا مع والدتي التي علمتني أن لا أفرط بحبة زيتون واحدة، نجمعها و نذهب الى المعصرة و نعود محملين بتنكات الزيت من ثمار البيت.. و ما أجمله من شعور.
هذا و افتتحت المعاصر البالغ عددها 137 أبوابها بداية تشرين الحالي لاستقبال الزيتون و عصره حيث سيتم انتاج كميات وفيرة من الزيت هذا العام و سيتراوح سعر التنكة بين 70-80 دينار وفقًا لنقابة أصحاب معاصر الزيتون، و افتتح وزير الزراعة موسم عصر الزيتون صباح الخميس 21 من الشهر الجاري، فيما سينطلق مهرجان الزيتون الوطني الحادي والعشرين ومعرض منتجات المرأة الريفية، خلال الفترة من 25 تشرين الثاني ولغاية 4 كانون الاول 2021.
وكالة النا – عمون