الأردن أمام سياسات إسرائيلية جديدة
ماهر أبو طير
من الواضح جدا، ان السياسات الإسرائيلية في القدس، بدأت تتجه الى نمط جديد تماما، وهذه السياسات بدأت في عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي جاءت خلفا لنتنياهو.
برغم ان إسرائيل تاريخيا، تقوم بتأمين موجات اقتحام المسجد الأقصى، وتفرض سياسات ضد الحرم القدسي، وتعتقل حراسه أحيانا، وتمنع بعض اعمال الترميم، الا ان المستجد هنا، هو التصعيد اليومي، بحيث تحولت الاقتحامات الى فعل يومي، بحماية الشرطة الإسرائيلية، وبذريعة الأعياد وغيرها، إضافة الى التشدد ضد اوقاف القدس، ومنع حراس المسجد من التدخل، وبحيث بتنا نرى رفعاً لدرجة السيطرة الإسرائيلية على الحرم القدسي، مقارنة بفترات سابقة، في سياقات تأكيد سيادة الاحتلال، واقصاء كل الأطراف ذات الصلة.
هذه التحولات الجديدة، بدأت بعد فترة قصيرة من شهر رمضان، اثر الاحداث التي شهدها المسجد الأقصى، وتوسعت لتصل الى غزة، وكل فلسطين، والواضح ان العقل الإسرائيلي الذي حلل المشهد، قرر ان ينقل المواجهة الى درجة اعلى وبطريقة ثانية، بدلا من التراجع، من خلال تطويع وإخضاع المقدسيين، امام واقع جديد يتم تأسيسه داخل الحرم القدسي.
هذا الوضع يضرب اكثر من عصب واحد، فهو من جهة يحاصر الوصاية الأردنية، التي يتم اضعافها اكثر، بشكل يومي، على الرغم من الاتصالات الأردنية الإسرائيلية، التي يتم الإعلان عنها، بشكل او آخر، اذ مقابلها لا تتراجع إسرائيل عن سياساتها داخل الحرم القدسي، بل تزيد من تطرفها ومحاولة سيطرتها، بما يعني اقصاء الأردن، تدريجيا، عن الحرم القدسي، وبحيث تتحول مهمة الأردن الى دفع رواتب موظفي المسجد الأقصى فقط، وهذا امر ينذر بنتائج خطيرة، على المدى المتوسط ثم البعيد، وهي نتائج لا يمكن وقفها عبر اصدار بيانات رسمية هنا، تستنكر السياسات الإسرائيلية، او عبر ارسال مذكرات احتجاج باتت روتينية.
الامر الثاني يؤشر على ان الوضع في القدس، لن يبقى هادئا الى ما لا نهاية، اذ ان السياسات الإسرائيلية المستجدة، قد تؤدي لاحقا الى انفجار الوضع في المدينة، على ذات سيناريو رمضان، وما بعده، وهذا امر متوقع، في أي لحظة، عند أي حادثة قد تكون البداية لسيناريو جديد داخل القدس، ومن المؤكد هنا، ان المعلومات والتحليلات التي خرجت بها إسرائيل مما حدث في رمضان، تدفعها الى زيادة منسوب التحدي، في الوقت الذي تضع فيه احتمالات انفجار الوضع، فتميل في مرات الى التهدئة، من اجل التخفيف من حدة رد الفعل، بشكل تكتيكي، وليس على أساس تغير في التوجهات بشأن الحرم القدسي، والمسجد الأقصى تحديدا.
لقد تم التحذير مرارا على ان نموذج الحرم الابراهيمي في الخليل، قد يتكرر في القدس، عبر فرض التقاسم الزمني، او الجغرافي، ونحن الان، وبعد سنوات من التدرج، بتنا في صلب سيناريو التقاسم الزمني، وان كان لساعات يوميا، فهو يقود الى تقاسم زمني اكبر خلال الفترة المقبلة، ويؤسس لسيناريو التقاسم الجغرافي، داخل الحرم القدسي، وعلى مدى مساحته.
تحذر المؤسسات المقدسية، مما يجري، وهي تصدر البيانات من ارض الواقع عما يجري، لكن المشهد يستمر بالتدهور نحو كل الاحتمالات، بما يفرض هنا على المؤسسات والقوى المقدسية، والجمهور المقدسي، توقع كل شيء، خلال الفترة المقبلة.
الأردن الرسمي، امام السؤال حول الفائدة من العلاقات مع عواصم دولية، والجدوى من الاتصالات مع الاحتلال، اذا كان كل هذا لا يوقف السياسات الإسرائيلية داخل الحرم القدسي، وهي سياسات تتآمر على الوصاية الأردنية تدريجيا، عبر سياسات قائمة على الاخضاع والتطويع، وتعويد المقدسيين قسرا على وجود الإسرائيليين داخل الحرم القدسي.
لا يمكن ان يبقى ملف المسجد الأقصى، غائبا ومغيبا بهذه الطريقة، فالحرم القدسي، اهم رمز لعروبة المدينة، مع بقية المقدسات، والسعي لشطب الهوية الإسلامية جار على قدم وساق، دون ان يثير ذلك اهتمام احد، بحيث باتت اخبار الأقصى، الأقل أهمية في العالمين العربي والإسلامي، وبطريقة مثيرة للتساؤلات على اكثر من جبهة، وعنوان.
وكالة الناس – الغد