غطي ثمك
زمان حين كانت الكرك تشهد طقسا عاصفا ..كان لي مهمات طفولية ..مثلا تفقد الجدة , أو إحضار سجائر الفيلادلفيا لوالدي من السيارة , أو الخروج (لشطف) المدخل إثر تراكم الثلج وكنت كلما خرجت اسمع صوت أمي تقول :- ( غطي ع ثمك يا ولد) .
وهناك (شماغ) جاهز يستعمله الكل , دائما موجود في عهدة الوالدة ..وكلما خرج أحد أفراد الاسرة لابد من هذه الجملة :
– غطي ع ثمك يا ولد …ولا بد من منحه (الشماغ) .
..حتى حين كبرت وأصبحت صحفيا بقيت ( ولد) في وصف أمي والوصية ظلت نفسها …
في العاصفة الأخيرة , قرر أولادي الخروج للعب بالثلج , وأنا لففت وجه اصغرهم ياسر بشماغي ولحظة وقوفه على باب المنزل وجدت نفسي اصرخ :
– غطي ثمك يا ولد .
…هو ذاته الخوف المتوارث والذي ينتقل من الأباء إلى الأبناء , ثم تذكرت أني دخلت الأربعين , بكامل متطلبات الكوليسترول واليورك اسيد والخوف الوطني والقلق الذي غير لون الوجه , ولون الشعر ..ولون القلب .
ولدي الحبيب ياسر , ( لا اتغطي ثمك يا بوي) …منذ طفولتي وأنا اسمع تلك الكلمة وهذا الأمر جعلني اصمت عن أشياء كثيرة , منها الغرام , والشوق والتمرد …
إياك أن تغطي فمك وتصمت سواء كان الجو صحوا أو عاصفا …ذاك أن الذين (غطوا) أفواههم …لم يسلموا من (نزلات البرد) …إطلق فمك ولسانك ويدك فالثلج هو …غضب الطبيعة , فكن غاضبا مثلها .