0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
previous arrow
next arrow

نداءات الفرج الإلهي

 

 

وكالة الناس – كتب. الدكتور / رجائي حرب
كعادتي كل ليلة لا يغمض لي جفن دون أن أدنو من مكتبتي لأقرأ منها ما يجعلني أطلع على ما يحدث بالعالم؛ وأقرأ خلاصة الأفكار التي خطها علماء ومثقفون ودونوها كدراساتٍ آمنوا بها وبقيمة الكلمة حتى وصلت إلينا دون أن تخبو قيمة الافكار المزروعة فيها.
ويثير اهتمامي دائماً دراسة حال مجتمعاتنا وما أصابها من ضعف وتراجع وانحلال أخلاقي، فتقودني قراءاتي إلى البدايات التي رسمت صيغة المشهد الذي نعيشه حالياً، وصبغت طبيعة المرحلة القائمة، فأجد بأن كل ما يحدث هو مخططٌ محبوكٌ بطريقةٍ تفوق عقلية البشر العاديين؛ وتصل إلى مرتبة أشخاص ملكوا المال والاقتصاد والسياسة والموارد وقرار الدول وذمم العديد من الحكام والحكومات ليتم إخراج المشهد النهائي وكأنه حقيقة واقعة وحركة طبيعية للزمن.
وحاكوا أحداثه بموجب خطةٍ طويلة الأمد تتعدى في كثير من الأحيان أعمار الأشخاص العاديين وتمتد لعدة أجيال؛ والشواهد كثيرة بدءاً من مؤتمر بال في عام 1896 للحركة الصهيونية وبداية التفكير بإنشاء وطنٍ قومي ٍ لليهود، ومروراً بمؤتمر كامبل عام 1906 الذي كان بداية التنبه لأهمية الدين الاسلامي وضرورة تقسيم المنطقة العربية بعد انهيار الدولة العثمانية لدويلات، وخلق أسفين سرطاني غاصب يقطِّع أوصال المنطقة ويجعلها في حالة عدم استقرار دائم، ثم وعد بلفور عام 1916 الذي أعطى فلسطين وطناً قومياً لليهود، واتفاقية سايكس بيكو، ثم مؤتمر سان ريمو ومؤتمر لوزان، وكلها تآمرت على المنطقة، وفعلت بها أفاعيلها حتى جعلتنا نعاني ما نعانيه إلى يومنا هذا.
وما زالوا لغاية اللحظة يقومون بإسقاط الدول بنفس الأسلوب؛ فيبدأون ببث الاشاعات الهدامة المتعلقة بسوء تصرف الحاكم وبطش الحكومات، ويلعبون على وتر النعرات الطائفية، وتشكيك الناس بعقائدهم، وتعميق الاختلافات الطائفية والاقليمية، والضغط على الدولة وتهديدها للانصياع إلى صندوق النقد الدولي الذي ارتكز في تقاريره على عملٍ استخباري تجسسي على الدول لرصد نقاط قوتها فيفككها ونقاط ضعفها فيعززها.
ويبدأ بالتلاعب بالدولة ويقضي على ولاء وانتماء مواطنيها، ويجعلهم معاول هدم فيها؛ وذلك من خلال أجهزة المخابرات الأجنبية والجواسيس والخونة المتعاونين وحثالة القوم، ووسائل الإعلام التي تتلاعب بعقول الشعوب الجمعية لتصيغ أفكارهم كيفما تشاء.
وكلما اقتربت الدولة جغرافياً من الكيان الصهيوني المقام على أرض فلسطين التاريخية، كلما ازداد ضنكها وتعمقت مأساتها، وزادت سيطرة الفساد على مفاصلها؛ وتلاعبت بمقدراتها الرويبضة وتم إبعاد المثقفين والوطنيين وأصحاب الهمم العالية وعاشقي تراب الوطن عن الوظائف العامة لتتعمق جراحات أوطانهم؛ فكيف بنا ونحن في بلاد الشام ودوله نجاور هذا الكيان الشيطاني الغاصب.
إن حالة الاشغال الدائم لمواطني المنطقة بالمؤامرات والتجويع ومحاولات التركيع وغلاء اسعار ورفع الضرائب وانعدام القدرة على رؤية النور في نهاية نفق أزماتنا، وما يشاع من أخبار تستهدف وجودنا وعروبتنا وأسلامنا أوصل مواطني المنطقة لحالة الاحباط وعدم القدرة على المقاومة؛ ودفع البعض للتسابق والبحث عن بائعي الأوهام والمرتزقة من عملاء الخارج تلقاء حفنةٍ من المال أو وعدٍ بوظيفة أو منصبٍ على حساب الأشخاص القادرين على خدمة اوطانهم وحمل أمانة المسؤولية، وجعلهم ضيِّقي الأفق وضيِّقي الصدور من هول المعاناة التي وضعتهم بين مطرقة الفقر وسندان الولاء والانتماء لأوطانهم، والجوع الكافر لا يرحم.
وفي وسط كل ذلك نجد الشيطان في تفاصيل كل الأحداث التي تقع، نجده هو وأعوانه وطغمة الفاسدين الظالمة مغروسين كخنجرٍ مسموم في صدورنا؛ … … نعم الشيطان يكمن في التفاصيل.
إنني أؤكد على ضرورة الحذر من المخططات الرامية لتذويبنا لمصلحة إسرائيل التي تريد أن تثبت للعالم بأننا غير مؤهلين ليكون لنا دولاً مستقرةً ومتحضرة، وبالتالي تحقق حلمها المزعوم من الفرات إلى النيل على أنقاض هويتنا التي سيوافق المجتمع الدولي الظالم كعادته على تقسيمها مرة أخرى كما فعل في سايكس بيكو الأولى
إن مسؤولية الجميع أن لا نكون معاول هدم لأوطاننا.
وأن نحذر أشد الحذر للمؤامرة الساعية لتأجيج الصراع بين شرائع المنطقة وإثارة النعرات الطائفية والاقليمية والجهوية والعشائرية بين سكانها، وأن نلتف حول الأرض التي نعيش عليها ونتشبث بترابها وأن يكون الوطن أولويتنا.
وأن نستيقظ من غفوتنا حتى لا يجعلوننا نكره أوطاننا فيبيعها البعض بأسواق النخاسة، ولا نعاديها من منطلق كراهيتنا للفاسدين وشُذَّاذ الأوطان وجهَّال القوم.
إن مهمتنا الأولى في هذا الظرف هي البحث عن أصابع الشيطان المنغمسة في كل المجالات وفي تفاصيل الأحداث لنقطعها بثباتنا والتزامنا بمحبة بعضنا البعض، وتعرية الفاسدين ومحاسبتهم وكشف مخططاتهم ليعرفوا أن دولة الباطل ساعة ودولة الحق كل ساعة، ولتفويت فرصة الفتنة التي يختلقونها في كل مناسبة، والتمسك بنداءات الفرج الإلهي التي بدأت تلوح بالأفق وتظهر بائنةً بينونةً كبرى بكل وضوح نتيجة استعظام الشر وتفرعُن الباطل.
فها هي آيات الله في قرآنه المجيد تقول: ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) وما علينا إلا التشبث بالأمل بنصر الله وانتظار أمره الذي بدأ يطرق أبواب المتفائلين بالتدخل الالهي ونصرته للحق مع الثبات على الصراط المستقيم؛ فوعد الله آتٍ آتٍ آتٍ وعند ذلك سيفرح المؤمنون بنصر الله وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.