عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

من وحي الذكريات: بلدة من وطني اسمها “الرميمين”

د.سعد الخرابشة

كان اسمها الرميمين ولا زال، ذكرياتي مع هذه البلدة الجميلة تعود إلى بداية صحوتي على الحياة في النصف الثاني من عقد الخمسينات من القرن الماضي. تاريخيا كان الغالبية العظمى من سكانها من إخوتنا المسيحيين من عائلتي الصُيَاغ والربضية وقد جمعت سكان القرى والبلدات المجاورة لها ومن ضمنها قرى عائلتي التي أنتمي إليها عُرى المؤاخاة والمحبة على مر العقود. فرغم أنها من حيث عدد السكان في ذلك الوقت كانت تصنَف على أنها منطقة قروية ريفية إلا أنها كانت تتميز عن بقية أقرانها من القرى المجاورة وربما غير المجاورة بأنها كانت تجمع العديد من خصائص المناطق الحضرية. فقد كانت سوقا تجاريا رائجا يرتاده المواطنون من جميع الأطراف من شفا بدران وقرى بني حسن والعدوان ومناطق حوض البقعة شرقا إلى قرى شمال السلط وحتى حدود منطقة العارضة غربا. كان يتوفر بها مطحنتين لطحن الحبوب ومعصرتين لعصر الزيتون إضافة للدكاكين (ولم نكن نعرف مصطلح السوبرماركت في ذلك الوقت) التي كانت تحوي معظم متطلبات الحياة البسيطة في ذلك الزمن. كما وكان فيها عيادة طبية يديرها شخص أرمني اسمه أنطوان رحمه الله وهو ليس طبيبا، بل ممرضا أو “تمرجيا” بمصطلحات ذلك الزمن، لكن كل سكان المناطق المجاورة كانوا ينادونه بالدكتور أنطون ويهرعون اليه لطلب المعالجة عندما يلم بهم مرض وكثيرا منهم من كانوا يتعافون على يدية كون معظم الأمراض التي كانت شائعة في تلك الحقبة الزمنية هي أمراض معدية وكان يعالجها افتراضيا بالمضادات الحيوية وخاصة حقن البنسلين.

والرميمين لمن لا يعرفها بلدة صغيرة تقع إلى الغرب من منطقة البقعة وعلى بعد لا يتجاوز السبع كيلومترات في موقع شفاغوري تكثر فيها الينابيع والسيول العذبة وبها شلال مياه جميل كان يرتاده السياح من عدة مناطق من الأردن وتشتهر ببساتين الرمان والمشمش والتين.

كنت والأقران من جيلي أيام طفولتنا القاسية نتردد على سيلها وغدران المياه العميقة فيها بغرض تعلم السباحة وأحيانا بغرض الاستحمام وكان يرتادها معظم سكان المناطق المجاورة لجلب مياه الشرب لمنازلهم ولسقاية حيواناتهم عندما ينضب مخزون مياه آبار الجمع لديهم صيفا وخاصة خلال السنين العجاف التي يكون فيها الموسم المطري ضعيفا.

نعم لقد كانت هذه البلدة الجميلة البسيطة مدينة بكل معنى الكلمة، كان سكانها متمدنون تشتم من حدائق منازلهم وأنت تعبر أزقتها عبق الورد وأزهار الزينة وكان سكانها يعيشون بمستوى مالي ومعيشي أفضل نسبيا من سكان القرى المجاورة.

خطرت ببالي هذه الذكريات عندما مررت مؤخرا بهذه البلدة الجميلة وتذكرت أيامها الخوالي ورغم أن مستوى الخدمات فيها حاليا أفضل بكثير من قبل من حيث خدمات البنية التحتية كالشوارع والكهرباء والمياه…الخ إلا أنني حزنت كثيرا على هجر هذه البلدة من قبل سكانها الأصليين والذين للأسف هاجر معظمهم إلى بلاد الغرب سعيا لطلب الرزق وحرمونا من التنوع الديموغرافي والتآخي الكبير الذي كنا ننعم به معا. فوجود المسيحيين بيننا وفي جميع مناطق الأردن يعتبر إثراء للحضارة والثقافة العربية وما كانوا يوما الَا جزءا فاعلا في نسيج مجتمعنا العربي الإسلامي.

وأتذكر هنا طرفة جميلة لصديق من زعامات بلدة الرميمين اسمه سلطي الصايغ أطال الله في عمره (وهو من الصامدين في الرميمين ورفض أن يهاجر) كان يرددها أثناء جلساته مع بعض أصدقائه من أقاربي حيث يقول: “إحنا جدنا اسمه سمعان وأنتوا جدكوا اسمه إسماعيل وهم إخوان، جميعنا كنَا مسيحيين لكن إحنا كان معنا مصاري دفعنا الجزية وبقينا على ديننا وانتوا كنتوا فقراء ولم تستطيعوا دفع الجزية فأسلمتوا” .

حمى الله الأردن العزيز وحمى شعبه الطيب وأدام بيننا المحبة.