هاظا اللي ناقصنا
فلنبدأ بالتخيل على هالصبح:
تخيلوا لو أن شركات الخلويات أدخلت خدمة الإستماع للطرف الاخر عدة دقائق بعد اغلاق الهاتف، وهي قضية ممكنة نظريا ، وباعت الشركات هذه الخدمة للراغبين ..وتخيلوا أننا تمكنا من تسجيل ورصد بعض هذه المكالمات خلال الإتصال،بين أي اثنين أردنيين وبعده.
سنجد خلال الإتصال عبارات مثل:
– هلا حبيبي ..تاج راسي …الله ايخليك.
– لا ولو انته بس أؤمر ….بكرة ابعثلي مس كول وأنا بحل الموضوع.
– لا تحكي هالحكي ..أنا خدامك.
– صدقني لوبدك واحد من ولادي ….
ثم ، وبعد اغلاق الخط مباشرة ومنذ الفانية الأولى – والفانية هي جزء من الثانية، حسب سعيد صالح في مسرحية «العيال كبرت»-، وإذا كان الرجل مشتركا في خدمة استمرار السماع بعد اغلاق الهاتف، فإنه سيستمع بلا شك الى عبارات مثل:
-…….. على اخت اللي بحبك…قال تاج……. قال!!
– هاظا اللي ناقصنا ..ابن حمده المدوّد
– قال اعطيك ولد؟؟؟؟ …..إخس يا الأجرب يا ابن الأجرب .
لن اتحدث لكم عن مدى الإرباك الإجتماعي الذي سيحصل في البداية ، ثم يعتاد الجميع على ذلك ،ويبدأ المواطن بالشتم بعد انتها مدة الإستماع بعدالإغلاق ، وستظل الشركات تمدد الفترة حسب الطلب ، والشتامون يؤخرون الشتم ، الى أن تقوم الشركات بإبقاء الهاتف مفتوحا على الدوام.
طبعا تعرفون أن هذه عبارات- التي كتبتها اعلاه- هي عبارات تمثيلية لتمرير المقال وإيصال الفكرة – اذا مرت اصلا- إذ انكم تعرفون، عن سابق تجربة ولاحق اصرار، أن التعابير التي تقال اقسى واكثر شتما وتصل الى الأعراض بكل استرخاء ضمير.
وهذه الطريقة يمارسها – بكل اسف – معظم ابناء الشعب الأردني، وهي عابرة للطبقات والشرائح الإجتماعية، ولا يوقفها عمر ولا دين ولا جنس ولا صراع طبقي ، وأكاد أكون شاهدا على مكالمة أو أكثر ، من هذا النوع يوميا ..مثلكم جميعا .
لو كانت هذه القضية تنحصر في مجرد العلاقات بين الأفراد لتم حلها بالتراضي أو بصلحة عشائرية، لكن هذه الطريقة للأسف تحكم علاقة المسؤول بالناس وعلاقة الحكومات بالشعب وعلاقات الشعب بالحكومات ، الكل يطبطب على الكل، ويكيل له المديح الذي يصل الى حد التذلل احيانا ، ويقول له بأنه يفديه بروحه ، ولكنه عندما يدير وجهه يقول كلاما معاكسا، تماما.
إننا يا سادة نعاني من حالة فصام اجتماعي كامل، يتوافق عليه الجميع، ويرضى به الجميع ، لكِأنه إتفاق جنتلمان يحكم العلاقة بين الحكومات والشعب والعكس صحيح تماما ، والشعب والبرلمان، والبرلمان والوزارات ، وأعضاء مجلسي الأمة ببعضهم، وكل عضو والآخر ، وكل واحد فينا مع نفسه.
هذه – يا سادة يا كرام- ممارسة طبيعية عندنا ،كالتدخين والسير على الطرقات والتنفس.. ولن نشعر بغرابتنها الا اذا فكرنا فيها ، وهذا المقال ، هو مجرد محاولة للتفكير – ولو للحظة- في هذه الممارسة اللاأخلاقية، لعلنا ننبذها تدريجيا.