هيثم حدادين..وداعا
كان يصغرني بثلاث سنوات على الأقل، لكنني تعلمت منه الكثير، فقد كان أكثرنا ذكاء، ورغم انه كان يشاركنا جميع جلساتنا ورحلاتنا وشقاواتنا، الا انه كان الأكثر عقلانية واتزانا، وبالطبع كان من المتفوقين دراسيا، وقد تركنا عالة على شارع العشاق الذي كان يشق برتقالة مدينتنا مأدبا شقّين، وسافر الى مصر لإكمال تعليمه الجامعي، كان ذلك في النصف الثاني من سبعينيات القرن المنصرم.
اتحدث عن صديقي هيثم أديب حدادين، الذي رحل عن دنيانا في نهاية الأسبوع الماضي، إثر مرض قاومه لبضع سنوات بكل رجولة وثقة الى أنْ انتصر عليه المرض، دون ان يهزم ارادته.
تعرفت إليه بداية السبعينيات في مركز شياب مأدبا، كان طفلا يلعب الشطرنج، ولا أحد يغلبه، ويلعب تنس الطاولة باحتراف، فتصادقنا من اليوم الأول، وجلست بجانبه أتعلم، ثم جلست أمامه، وكم جاملني لأشهر حتى التقطت لعبة الشطرنج، وشرعت ألعب معه، لكني لم استطع ان أكون ندا له قط…. وقد قضينا اوقاتا جميلة مع تلك اللعبة التي كرهها هو في ما بعد، وقال: انه سيحاول قدر الإمكان أن يبعد ابناءه عنها، لأنها تسلب العقل والوقت…. وتركتها انا ايضا بعده بعشر سنوات تقريبا.
كنت شاعرا على ما يبدو، لكني كنت – وربما ما زلت- ضعيفا في النحو- لذلك كانت قصائدي التي ارسلها للصحف ، تمر على هيثم حدادين(القواعدجي، كما كنا نسميه) ليخلصها من شوائب الأخطاء النحوية، مع انه كان علماني العقل والتفكير، لكنه كان يقول لي، إنه يفكر بقواعد اللغة العربية بشكل علمي بحت، لذلك فهو يراها سهلة، أما انا فقد كنت عصيا على القواعد جميعها آنذاك.
اصدرت ديواني الأول من الشعر بعد مروره على هيثم، ومعظم قصائد ديواني الثاني، لأنه كان عاد والتحق بالقوات المسلحة الأردنية مهندسا، ورحل عن المدينة، ثم تزوج، وكان دوامه في المشاريع الخارجية؛ ما قلل من فترات التلاقي كثيرا، لكن ذلك لم يمنع من أن بعضا من كتبي الساخرة مرت من بين يديه ايضا.
كنت احرص في كل حفل توقيع لكتاب جديد لي أن ادعوه، وكان يحضر منشرحا، الى أن اتصلت به قبل سنوات لأدعوه الى حفل التوقيع الجديد، فردت على الهاتف زوجته الكريمة ورفيقة دربه، التي ابلغتني أن هيثم في تلك اللحظة بين ايدي الجراحين، وأنهم متفائلون بالشفاء. وزرته فيما بعد ورأيت حجم التفاؤل والثقة التي يواجه بها المرض الخبيث.
كان الإنسان الأكثر نزاهة ممن التقيت بهم في حياتي، ولم يأكل لقمته ولا لقمة اطفاله الا مغموسة من المال الشريف الذي يحصل عليه بعرق جبينه، رغم الإغراءات والتحذيرات التي كان يواجهها بعناد تام.
صديقي الرائع!
كنت نزيها ودافئا وحنونا وطيبا وصديقا حقيقيا، لذلك كان رحيلك صعبا علينا جميعا.
فمن يصحح أخطائي وخطاياي بعدك يا هيثم؟؟؟
صديقي الرائع….وداعا.