في امتداح التكاسل
تكاسل الكائن البشري عن مضغ اللحوم النيئة وقثاء الأرض الطازج فاكتشف النار وتمتع بقدراتها السحرية على الطهو والشوي والتدفئة، وتطويع المعادن.
تكاسل الإنسان من السير لمسافات طويلة على قدميه فقام بترويض الكائنات الأخرى فامتطاها واستخدمها وسيلة للتنقل والنقل واللهو.
تكاسل الإنسان عن البحث الدائب عن الطعام والصيد المرهق، فابتكر الزراعة واستئناس الحيوانات القابلة للازدراد واستيلادها فأكل لحومها ولبس جلودها.
وتكاسل عن رفع الأثقال فابتكر العتلة، وتكاسل عن ركوب الحيوانات لمسافات طويلة فابتكر العجلة، وتكاسل عن محاربة الأعداء بالسيف والرمح فابتكر المنجنيق وتكاسل عن ممارسة الجدية فابتكر الخمر.
ثم تكاسل البشري من التنقل البطيء على متون الدواب فابتكر الآلة البخارية والقطارات والسيارات والطائرات، ومن مبتكرات الطاقة الجديدة أوجد المصانع فجعل حياته أكثر سهولة وصار يقضيها بقدر أقل من المعاناة. ثم ابتكر الكهرباء ومشتقاتها التي أنارت المدن وسهلت وسائل الاتصالات حتى وصل الى الانترنت فابتكر العالم السبراني الافتراضي، وصار يقضي جلّ وقته فيه.
هكذا هو التقدم البشري …تكاسل بشري يتبعه تفكير ثم ابتكار ما يسهل الحياة ويجعلها أقل مشقة وبؤسا.
نقيض التكاسل هو الملل والسأم، أو سمّه ما شئت.
بعد أن نجح الانسان في جعل حياته أكثر سهولة أصيب بالملل من المسار الرتيب للأيام والأشهر والسنوات…. الملل الذي كان يتهرب منه أحيانا باللعب والمبارز والتنافس.
ملّ الإنسان من اللعب المحض فابتكر الحروب الكبرى وحوّلها وسيلة للعب الأكثر إثارة وتشويقا…حتى الموت صار لعبة بالنسبة له.
ومن منتجات الحروب التي احتاج فيها الى معادن أكثر قوة كالفولاذ أو أكثر مرونة كالألمنيوم والنيكل وغيرها من العناصر والمركبات، من هذه المنتجات الجديدة ابتكر طناجر «التيفال» ليجعل شروط عبودية المرأة أقل وطأة كما صنع البايركس وآلات العصر والفرم والعجن والطهو لذات الأسباب.
كما اكتشف الاستعمالات السلمية للطاقة النووية…. وما يزال حبل الاختراعات والابتكارات على الجرار.
أرأيتم ماذا يصنع الملل؟
أنا مللت من مقالي هذا فتوقفت عن الكلام المباح.
وأنتم مللتم مني، فماذا سوف تبتكرون؟؟؟.
يوسف غيشان