غزة ليست حماس فقط!
هذه المرة الاولى في تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي التي يقف فيها النظام العربي علنا على ( الحياد) ،صحيح ان المواقف العربية الرسمية تجاه أي عدوان اسرائيلي على الفلسطينيين فيما مضى لم تكن منحازة تماما للجانب الفلسطيني، سواء بسبب (برودة) العلاقات أو بسبب ( الضغوط) الخارجية او الحسابات السياسية المتناقضة، لكن الصحيح أيضا هو أن أي عاصمة عربية لم تكن تجرؤ على اشهار انتقاداتها للفلسطينيين او على اعتبار العدوان ضدهم مجرد ( عنف متبادل) كما حصل هذه المرة.
وربما تكون المرة الاولى- ايضا- التي تخرج فيها أصوات من داخل بعض المجتمعات العربية للتحريض ضد الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب بشعة راح ضحيتها حتى الآن أكثر من (1500) شهيد و مصاب، لدرجة ان بعض هؤلاء دعا علانية الى ( التخلص من حماس) فيما حمل آخرون مسؤولية العدوان على ( المقاومة) أو اتهموها بانها انجرت الى ( الفخ) الاسرائيلي، ووصل التحريض الى درجة الابتهاج بأن هذا العدوان فرصة (للتخلص من الطرفين) حماس واسرائيل معا.
حين ندقق في خطاب ( الحياد) الرسمي نجد أن الطرف العربي بعد التحولات التي شهدناها في السنوات الماضية ( استقال) تماما من القضية الفلسطينية،و سواء أكانت الدوافع متعلقة ( بالانشغال) الداخلي أو بمحاولة كسب الرضا ( الغربي) و الاسرائيلي تحديدا، أو بمحاولة ( التغطية) على الشرعية التي حصل عليها بدعم خارجي او بسبب الانخراط في ( الحرب) ضد الارهاب الاسلامي الذي أصبح ( العدو) الاول لأنظمة ما بعد ( الثورات)، فإن النتيجة هي اعتبار أي فعل شعبي، سواء أكان احتجاجا أو ردّا للعدوان، عمل عدائي يستوجب الرفض أو المواجهة أو الحياد في أحسن الاحوال.
على طرف النخب التي خرجت من ( الربيع) العربي مجروحة في مصداقيتها، فإن موقفها من العدوان على غزة ، ينسجم تماما من موقفها اتجاه ( المجتمع) ومطالبه، و الثورات واستحقاقاتها، فتحت عنوان ( الكراهية) و التحريض على ( الاسلاميين) انساقت الى المربع ( الرسمي)، وأصبحت جزءا منه، وهي بالتالي لم تفرق بين رفضها لتجربة الاخوان في الحكم وبين حق الفلسطينيين في ( المقاومة) وردّ العدوان.
إذن ، العدوان الاسرائيلي على غزة جاء في سياق جولة ( اجهاض) الثورات العربية، وبالتالي فهو جزء من هذه الموجة وظهير لها، أو انه – على الاقل- يتقاطع مع اهدافها واستراتيجياتها، وخاصة فيما يتعلق باستهداف ( الاسلاميين) و الصاق الارهاب بهم ومحاولة محاصرتهم وتأديبهم واقصائهم، واذا كانت هذه المهمة قد تم انجازها على صعيد الداخل العربي من قبل الحكومات ، فإن لتل أبيب ( حصة) فيها وها هي تقوم بها ، كما ان للدول الغربية دور قادم في هذا المجال.
المشكلة هنا ان الذين انخرطوا في هذه ( الوظيفة) سواء بذريعة الحسابات السياسية الخاطئة، أو بدعوى ( الكراهية) التي جرى الترويج لها لتكسير ارادة المجتمعات وتخويفها من نفسها، هؤلاء على الطرفين اختزلوا ( فلسطين) وقضيتها الكبرى في ( غزة) كما اختزلوا ( غزة) في ( حماس)، وكأن العدوان الاسرائيلي موّجه أصلا ضد (حماس) وليس ضد الشعب الفلسطيني و المدنيين الابرياء في غزة.
ومن المفارقات – هنا- ان تعاطف العالم مع أهل غزة كان لحسابات انسانية محضة، فالمستهدف هنا هو ( الانسان) بغض النظر عن جنسه او دينه، فيما تجاهل اخواننا الذين صفقوا للعدوان هذه القيم الانسانية، وانحطت اخلاقهم لدرجة أنهم اعتبروا ان العدوان ( فضيلة) مادام انه يستهدف حماس، ربما ليس حبا في العداون ومن قام به وانما بسبب كراهيتهم ( للإخوان المسلمين) و لحماس التي حشروها في زاوية الخصومة ايضا.
كان يمكن لبعض الانظمة العربية التي تسعى الى تثبيت ( شرعيتها) ان تتصالح مع شعوبها من خلال ( الانحياز) ضد العدوان الاسرائيلي ودعم غزة ومقاومتها الباسلة، لكن يبدو أن ( للتاريخ) حسابات اخرى، فمن قال ان اسرائيل ستنجح في ( تأديب) غزة وأهلها ومقاومتها؟ أليس ما يحدث اليوم هو العكس تماما، أليست صورة ( تل أبيب) وغيرها من المدن الاسرائيلية التي تحولت شوارعها الى ( اشباح) دليل على ان كلمة الشعوب هي العليا… وكلمة المعتدين ومن انحاز اليهم هي السفلى…ألم تنهض غزة بعد الاجتياح في 2009-2008 من تحت الرماد، وهي الآن ستخرج اقوى …مهما كان الثمن التي تدفعه ولكن من يعتبر؟؟