أيديولوجيا التبرير
مثل غيره من أدمغة البشر فإن الدماغ العربي هو العضو الرئيسي في الجهاز العصبي. فهو يجمع المعلومات ويحللها ويسيطر ويدير معظم أعضاء الجسم، وذلك هو منبع لإنتاج معلومات جديدة، ولأنه من أهم أعضاء جسم الإنسان وأكثرها أهمية و حساسية، فينبغي أن نعتني به ونحافظ عليه .
ومثل غيره من أدمغة البشر يكون معدل وزنه كيلو و360 غراما، أي ما يعادل 2 بالمئة من وزن الجسم. ومثل غيره من أدمغة البشر فإن فقدانه للأوكسجين لمدة 4-6 دقائق يعني أنه قد بدأ في الموت، ومثل غيره فإن هذه الكتلة الدهنية تحتاج الى 20 بالمئة من نسبة الأوكسجين التي يستهلكها الجسم يوميا.
ومثل غيره من أدمغة البشر، فإن مئة ألف هو عدد أميال(طول) الأوعية الدموية في الدماغ، ومن ألف إلى 10 الاف هي عدد نقاط التشابك العصبية لكل خلية عصبية في الدماغ.وأن مئة مليار هي عدد الخلايا العصبية في الدماغ.
وكغيره من أدمغة البشر ، فإنها معلومة خاطئة تلك التي تقول بأن البشر يستخدمون فقط 10 بالمئة من أدمغتهم، لأن كل جزء من الدماغ له هدف ووظيفة وهي تشتغل جميعها حسب الطلب والحاجة.
أما الإختلاف والفارق الوحيد بين الدماغ العربي والدماغ الآخر ، هو أن العربي (يفرد) مساحة هائلة من حجم وطاقة دماغة لتشتغل حالما تعرض لهزيمة أو الى نقد، وهنا تشتغل آليات التبرير وتدخل للمعركة بكامل قواتها البرية والبحرية والجوية، لتثبت أن العربي المقصود لم يخطئ أبدا انما الخطأ يقع على(……………………….) وهناك قائمة لا متناهية من العلاءات التي يقع عليها الخطأ.
العربي يتحول فور تعرضه للنقد الى محامي درجة أولى ليدافع ويرافع عن أخطائه وخطاياه وأخطاء من يحبهم، وهذه موهبة عربية صرف تمكنت من الولوج- على ما يبدو- داخل شيفرتنا الوراثية، وطارت جزءا من نسيجنا (لا بل نشيجنا) الإجتماعي، وقد أصبنا – عن سابق تصميم وترصد- جميع الشعوب التي تعيش معنا بهذه العدوى، بحيث لا فضل لعربي على اعجمي في التبرير ، اذا كان، غير العربي هذا، من سكان العالم العربي ، وفي دولة عربية .
اعتقد أن آلية التبرير هذه مسؤولة بشكل رئيس عن تخلفنا وجمودنا، لأننا نعجر عن تجاوز أخطائنا،لأننا(مرّة ثانية) لا نعترف بوجودها اصلا. فكيف نعالج اخطاء لا نعترف بها؟؟.
وهذا ما يفرح الأعداء ، لأنهم غير مضطرين الى هزيمتنا اكثر من مرة او مرتين على الأكثر ، ثم (يعتمدون) علينا وعلى كفاءتنا الهائلة في التبرير لتحويل هزيمة المعركة الى هزيمة حرب ، وهزيمة الحرب الى هزيمة تاريخانية، نخرج فيها من دفتر التاريخ الى هامش الهامش .
المطلوب منا ، أولا وقبل كل شئ، أن نعترف بالهزيمة، إن حصلت، وأن لا نضع اللوم على الواقع أو على الآخرين ومؤامراتهم. بالطبع فإن هذا الإعتراف لن يحولنا الى منتصرين ، لكن الإعتراف هذا – بدل التبرير- هو الخطوة الأولى التي من دونها لن نتقدم ميلمترا واحدا باتجاه سكّة العصر.
وأن نبدأ متأخرين ، أفضل بكثير من أن لا نبدأ أبدا.