0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

من الملاعب الى حرم الجامعات..!!

ما الذي يمنع الجامعات في بلادنا  ان تتعلم من الاندية الرياضية العالمية؟ 
سؤال غريب – بالتأكيد ، (وما أكثر الغرائب في حياتنا؟،) لكن أحد الاساتذة الاكاديميين فاجأني به ثم مضى دون أن يجيب ، قلت في نفسي : ان ما تحظى به الرياضة في عالمنا من تشجيع واقبال ، ومن حسن ادارة وتنظيم في الغالب ، يمكن ان يجعل منها نموذجا يحتذى ، لا في جامعاتنا فقط ، وانما في باقي مؤسساتنا ايضا.. خذ مثلا ما نحتاجه في  السياسة  من روح رياضية ومن تداول للكرة بين فريقين يتنافسان على اللعب الجيد وعلى احراز ما أمكن من اهداف ، نظيفة(!) ، ومن  صفارة  يشهرها الحكم النزيه فيلتزم بها اللاعبون ، وحين يشذ احدهم عن الالتزام لا يتردد الحكم عن اشهار بطاقته : صفراء كانت أم حمراء، لتنبيهه أو اخراجه من الملعب.
هذا في السياسة ، اما على صعيد الجامعات فيمكن ان تتعلم من الرياضة (دعك مما يجري في الملعب من تنافس وانضباط بأصول اللعبة ومبادئها) ما تضعه الاندية من انظمة وشروط: خذ مثلا مبدأ الاستقلالية ، وتصنيف اللاعبين ، واختيارهم حتى لو من خلال شرائهم (انظمة الاحتراف) واعداد سجلات للهدافين وعدد الاهداف التي احرزوها ، والمونديالات التي تجري كل سنة واكثر لتتويج الابطال ، يمكن – اذن – للجامعات ان تستفيد من كل هذا ، يمكن ان يختار اساتذتها على أسس دقيقة وحسب مؤهلاتهم وانجازاتهم ، يمكن ان تستقطب المميزين للتدريس فيها ، او ان تقام  مونديالات  سنوية للتنافس بين الجامعات ، او ان تحاسب الجامعة على اساس انجازاتها ، او ان يعين اعضاء هيئة التدريس  على اسس الاختيار النزية وبدون وساطات، وان يخضعوا لمراقبة الجمهور والمتفرجين ، وهم هنا الطلبة والمجتمع المحلي ، يمكن – ايضا – ان تحصل على مزيد من الدعم والتمويل النظيف وان يكون لها مشجعون ايضا.
انا لا اتحدث – هنا – عن الرياضة في عالمنا العربي ، ولا ما تواجهه انديتها من ازمات ، وانما عن  الاندية  العالمية التي تحولت الى امبراطوريات ، واصبحت بالنسبة للناس اهم من المؤسسات السياسية والاجتماعية ، وخصصت لها مئات الملايين ، واستطاعت ان تقدم  نموذجا  للانجاز النظيف ، هذه – وحدها – يمكن ان تغري جامعاتنا على نقل النموذج: من الرياضة الى التعليم ، ومن الملاعب الى حرم الجامعة ، ومن الاستقلالية والشفافية وروح الفريق الواحد والتنافس الحر والايمان بالتدريب المستمر والتجديد.. بدل هذا   الفراغ  الذي تعانيه معظم جامعاتنا وبدل الانتكاسات التي اصابتها ،سواء على صعيد الحريات الاكاديمية او الاوضاع المالية او علاقتها مع طلبتها ومحيطها المحلي.
قلت فيما مضى ان  الحالة التي انتهت اليها جامعاتنا ( المسؤولة عن التعليم العالي في بلادنا )لا تصدق، فنحن لسنا امام  تراجع  في مستوى التعليم ومخرجاته وحسب، ولا امام تجاوزات يمكن معالجتها اداريا او اكاديميا، وانما امام  فساد  اصاب هذا القطاع وتغلغل فيه الامر الذي يحتاج الى  ثورة  حقيقية تنقل جامعاتنا من مرحلة الى مرحلة جديدة عنوانها  الاستقلالية  والحرية، وآلياتها العدالة في توزيع فرص التعليم والتعيين والكفاءة في اختيار الكوادر الاكاديمية والادارية والانتصار لقيمة العلم والبحث وصناعة  النخب  بعيدا عن اعتبارات المزاجية والمحسوبية والتدخلات غير المفهومة التي حولت جامعاتنا الى  ساحات  للصراع والاستقواء والانشغال بكل شيء الا  التعليم  والبحث والتنوير. وليتها كما قلت تحولت الى (ميادين ) رياضية حقيقية يتنافس فيها اللاعبون والفرق ويتابعها الملايين وتلتزم بالروح الرياضية ،ويخرج الخاسرون والرابحون في مبارياتها راضين عن النتيجة .
  السؤال الذي يلح علي باستمرار دون ان اجد اجابة واضحة عليه هو : ما الذي اصاب قطاع التعليم العالي في بلادنا، ولا لماذا تراجعت جامعاتنا عن مكانتها التي كانت فيها قبل ثلاثين سنة، هل ما حدث – للأسف – كان جزءا من “عموم البلوى” التي اصابت “بنية” المواطن والمجتمع معا، مثلما كانت افرازا لحالة “التقويم” السياسي الذي افتقدنا فيه الرؤية والنموذج معاً؟ 
كنت – بالطبع – اتمنى ان نتعلم من نموذج الجامعات العالمية (معظمها في امريكا قائم على اساس نظام الوقف الذي اهملناه) ، وان نستفيد من تجاربها ، وان تحظى احدى جامعاتنا الوطنية بمكان ما في  سجل  اكثر الجامعات تقدما في العالم ، وان نخرج هذه المؤسسات العزيزة علينا من  ازماتها  المالية والاكاديمية والادارية.. (من يتصور ان بعض جامعاتنا اعلنت افلاسها.. او ان نسبة الاساتذة المهجرين للخارج وصلت الى %40 ، او ان مقابل كل استاذ معين يوجد 3 موظفين اداريين ، او ان رواتب الاساتذة ما زالت متواضعة واقل من راتب اي موظف اداري..الخ).
لكن تلك آمال  ورغبات يبدو انها بعيدة.. واضعف الايمان ان نتعلم مما يجري في الملاعب ومما انتهت اليه  انديتها  العالمية من ادارة واستقلالية وشهرة وانجاز.. وتلك – بالطبع – ليست معجزة.