رسالة من آخر العالم!
أستميح القارىء العزيز عذرا لأتوقف اليوم مع ثلاث رسائل، أشعر برغبة جامحة في أن اشارك القارىء في فحواها، لأن لها طابع أكثر من خاص!
الرسالة الأولى من بروفسور حلمي الزواتي، سميي، الذي بعث لي برسالة من آخر العالم، من مونتريال بكندا، يقول فيها: هممت بضع مرات بالكتابة لك من هنا، من تخوم صحارى الجليد في كندا، حيث أقيم منذ ثلاثة عقود، وفي كل مرة يستحوذ علي شعور غريب، أغمد على أثره قلمي وننكفىء سويا على أمل الكتابة من جديد في فضاء لاحق. وبعدما قرأت اليوم رائعتك «من أساطير العشاق وحكايات النوارس» (يعني مقال الجمعة الأخيرة) وجدتك أقرب إلي من حبل الوريد. لا أدري كيف وجدتني في كل حرف من حروف هذه «السيمفونية» المعزوفة على أوتار القلب والروح والجرح المشرع للريح منذ ست وستين من العجاف، أفقدتنا الإحساس بالدهشة، فلم يعد في حياتنا ما يمكن أن يوصف بالحزن أو الفرح، أرجو أن نتواصل، فحبال الود ممدودة منذ زمن طويل، ولم يكن لها أن تتعانق إلا أن يشاء لها الله تعالى. والأمل معقود على إبداعات أولئك النفر القليل من خيرة مفكرينا، وأنت واحد منهم، بأن يحملوا شموع الفرح في زمن الانهيارات، مبشرين بغد آت وبأجيال تحيل أحلامنا المؤجلة إلى حقائق. أرجو ان تطرد عن أجفانك خيالات اليأس «متى آوي إلى تلك السكينة؟ متى تأوي السكينة لي، متى نأوي سويا للغياب؟» فهناك من ينتظرك عند بوابة المخيم وعلى سفوح التلال البعيدة، وبأيديهم قناديل الفرح مملوءة بزيت كأنه كوكب دري، مزاجه من عرق الآباء ودموع الأمهات ودماء من رحلوا، لتبقى شعلة الأمل وهاجة وإن لم تمسها النار!
أعجز – حقا- عن وصف مشاعري يا دكتور حلمي، فقد حملتني كلماتك إلى هناك، وكنت قاب قوس واحدة أو أدنى، من البكاء!
الرسالة الثانية شاءت صاحبتها أن ترسلها عبر هذا المنبر، تقول فيها: كانت بداية معرفتي بك مع بدايات الربيع العربي كنت أشعر يومها أني أتنفس عطر هذا الربيع، أفكر في مستقبل زاهر متى أراك عنوانا له في قلبي تطل كبدر في شهر أيار، لكن زهور ربيعنا ذبلت أو أنها لم تزهر أصلا، أصبحت أراها شاحبة بلون أسود في الشام، و لما حدث ما حدث و خيم علينا الليل مجددا، قلت ربما أرى البدر الذي طلع مع هذا الربيع أسامره و يسامرني أحاول معه أن أعيد البهجة لقلبي من الصورة الشاحبة السوداء لياسمين الشام الذي كان في يوم من الأيام أبيض،
لكن البدر أفل … و لم نعد نراه دمت بخير، وكل يوم ونحن أقرب للوطن!
هذه الرسالة، التي تقول عنها صاحبتها، إنها لم تصل لصاحبها، وربما لن تصل!
آخر الرسائل، يسألني صاحبها، كما سألني غيره كثيرون، عن «سر» توقفي عن الكتابة عن مصر، والحقيقة أنني لم أتوقف أبدا عن هذه الكتابة، فهمها لم يزل مقيما في سويداء القلب، ولكن عدم نشر كل شيء هنا، لا يعني أنني توقفت عن الكتابة!
تحيتي العطرة لك، ولكل الطيبين الذين أسعد بتواصلهم.