نحن والإخوان :مكاشفات لا بد منها…!!
ارجو ان يتنبه اخواننا في (الجماعة ) انهم – مثل غيرهم – يخضعون لسنن الكون ونواميسه ، وان يتذكروا بان ما يصيب الامم والمجتمعات والحكومات من علل وامراض يصيب الجماعات والحركات ، وان ما جرى على الانظمة يجري على التنظيمات : سقوطا ونهوضا ، فالقوانين الكونية لا تستثني احدا ،اسلاميا او بوذيا، وانما تسري على الجميع ، والناجحون في امتحانها هم القادرون على فهمها والتعامل معها والالتزام بما تقرره من معايير “للنجاة” والتمكين ، او بما توفره من ادوات للتبصر والعمل ، او بما ترسخه من قواعد للاعتبار والتغيير .
بدأ الاخوان مع الامام البنا رحمه الله بفكرة ، حرصوا على حملها والعمل بها ، والتضحية من اجلها ، وداروا في فلكها عقودا من الزمان ، ثم تراجعت الفكرة للأسف بعد ان “تقمصها” بعضهم او اختزلها في شخصه وتحول الدوران في فلك الفكرة الى دوران حول محيط الافراد ، بل والاشياء ايضا ، فأصبحنا امام دعوة جديدة لها دعاة تصوروا ان “طهارة” الدعوة من طهارتهم، واستمرارها قائم على حضورهم، ومستقبلها مرتبط ببقائهم في مراكزهم، وهنا فان اخشى ما اخشاه ان تكون ساعة “الابتلاء” قد دقت ، والقدر قد وقع ، والمرض تغلغل واستفحل ، حينئذ لا تجدي الدعوات ، ولا ينفع التماس البركات ، ولا تُدفع الاقدار الا بالاقدار.
لم يدرك اخواننا في هذه اللحظة ان الدعوة هي التي حملتهم الى الناس ، وان للفكرة فضلا عليهم فيما انتهوا اليه من احترام وقبول وتسديد، ولم ينتبهوا – للأسف – الى ان الذين احتشدوا معهم – منتسبين او متعاطفين – كانت تحركهم بواعث الدين ونماذج المتدينين الصالحين ، وقيم الاخلاص “للفكرة” والزهد في الجلوس على المقاعد وايثار اقتسام “المغارم” بدل الصراع على المغانم.
الان ،ثمة من يريد ان يجرّ قدم جماعة الاخوان المسلمين الى دائرة الصدام مع نفسها ومع الاخرين ، او ان يحشرها في زاوية الازمات المتناسلة واحدة اثر اخرى، او ان يجردها من فضيلة التوازن والحكمة التي اتسمت بها على مدى العقود الستة الماضية، او ان يشغلها في معارك داخلية وخارجية تستنفد طاقتها، وتعيقها عن ممارسة دورها الوطني، وتكسر ظهرها وتنفر الناس منها وتحولها الى مجرد هياكل هرمة، لا تسأل بالطبع عما حدث في المحيط من حولنا من محاولات لذبح الحركة واقصائها ( تأمل ما حدث في مصر مثلا) وما يجرى في عالمنا العربي من انقلاب على الاسلاميين ، مما يعني ان الاخوان امام (محنة ) ومرحلة صعبة تحتاج الى خطاب يتناسب مع خطورتها : والخطاب المطلوب هنا هوخطاب الحكمة والصبر لا المواجهة والاستقزاز، خطاب وحدة الصف وتطمين الاقربين والابعدين لا خطاب طرد الاخوة ومقارعة الاصدقاء وتخوين المخالفين.
في الدعاء المأثور يطلب الناس من الله ان يكفيهم شرّ اصدقائهم لانهم كفيلون بكفّ شرور اعدائهم وخصومهم، او الحذر منهم على اضعف الايمان، وربما يكون لسان حال اخواننا في الجماعة ان يكفيهم الله افعال وممارسات اخوانهم في الجماعة نفسها، خاصة أولئك الذين لا يهدأ لهم بال الا اذا اشعلوا مزيدا من الحرائق وسط البيت الاخواني، باعتبار ان هذه الحرائق هي الوسيلة الوحيدة لتسليط الاضواء عليهم، او اعادة الانظار إليهم، او ابرازهم في اطار البطولة المغشوشة، الاطار الذي يبدو انه اصبح اصغر كثيرا من اية صورة، رغم ازدحام الصور والرسومات.
مشكلة الاخوان الحقيقية ليست- فقط – فيمن يناصبهم الخصومة السياسية، او حتى الفكرية، وليست في المضايقات الموسمية التي تمارسها بعض الحكومات في اطار المناكفة السياسية، وليست – كما قلنا اكثر من مرة – في هذا الصراع المنفوخ فيه بين الحمائم والصقور، او بين المتشددين والمعتدلين ، وليست – ايضا – في غياب بوصلة الهوية وفزاعات الديمغرافيا التي تثير الخوف داخل التنظيم ، انها ليست سياسية ولا تنظيمية ولا حتى ادارية، وانما هي بكلمة واحدة: مشكلة داخلية، وجودية ان شئت، ووظيفية او عضوية ان اردت ،وباختصار مشكلة نفوس امارة بالسوء، ورؤوس حامية ما زالت تصرعلى السير باتجاه معكوس، وهي – بالمناسبة – ليست جديدة، ولا غائبة عن اذهان الاخوان انفسهم، فبعد اكثر من ستين عاما انتقلت فيها الجماعة من الدعوة، بما تمثله من طهارة واخلاص والتزام بأدب الحوار وبالزهد في المناصب، الى السياسة بكل ما نعرفه من مواصفات ومؤهلات لمن يتداولها، اصبح سؤال الوجود بالنسبة للدعاة الحقيقيين مطروحا بقوة، ولانه ما زال معلقا بلا اجابة، فقد تحول الى مصدر للقلق والانزعاج، وفتح الباب امام ما نشهده اليوم من انسدادات وحراكات ومناكفات ، لا بل ومن صراعات وصلت احيانا الى درجة كسر العظم، والى ممارسة التأزيم المقصود الذي قد يفضي الى ما يشبه الانشقاق او الانقلاب. وانا اعتقد انه اقترب اذا لم تتحرك الجماعة لتطويقه بدل ان تستهين في الداعين اليه والداخلين على خطه.
في وقت مضى، كان الاختلاف بين الاخوان يدفع بعضهم الى الانسحاب بهدوء من الجماعة، او الاكتفاء بالطلاق الصامت منها، وأعرف العشرات بل والمئات ممن خرجوا ولم نسمع منهم اي انتقاد ناهيك عن اية اساءة او تجريح او تحريض لإخوانهم او عليهم، تلك – بالطبع – كانت سمات الرواد من الدعاة الذين تربوا في مدرسة الاخوان الاولى، والتزموا بمنهجها الذي خطه الشهيد البنا رحمه الله، ايام كانت الجماعة تتمتع “بالعافية” والاخوان يضحون بانفسهم من اجل الدعوة ، لكن الصورة الآن تغيرت وأصبح الذين يختلفون مع اخوانهم، في ابسط الامور والتفاصيل لا يفكرون اطلاقا بالانسحاب بهدوء، وانما يصرون على البقاء وعلى رمي ما بيدهم من عيدان الثقاب، حتى لو احرقت حقول الجماعة كلها ، ولا يتورعون عن الانتقاد وتسريب المعلومات ومخالفة الانظمة والتعليمات حتى لو كان ذلك ضد مصلحة الجماعة، لكي لا تقول مصلحة الدعوة اين هي الدعوة؟ او مصلحة الدين الذي يعملون في ظلاله. او مصلحة الوطن ايضا.
على الطرف الاخر يصر بعض الذين وصلوا الى القيادة(لا تسأل كيف وصلوا؟) على التمسك فيها وطرد الاخرين من الاقتراب اليها ،وبدل ان تتسع صدور الاغلبية للاقلية وتحاول استيعابها لا تتردد – للاسف – في محاصرتها ومعاقبتها وكأنها تريد ان تقول للاخرين: من يخرج عن صراط الطاعة سيكون هذا مصيره..تصور كيف تحولت طاعة التنظيم في زمن سقوط الطاعات والوصايات الى (منهج) ومسطرة للحكم على الاخوة وتقويم انتمائهم وسلوكهم ، فيما لم نسمع عن خطاب جديد يراعي الكفاءة والابداع وتغليب الحوار والحكمة، خاصة ونحن نتحدث عن السياسة لا الدعوة ولا الدين ،فاذا كان الله تعالى قد قبل الكافرين به والخارجين عن طاعته فهل يعقل ان نطرد- كبشر- الخارجين عن طاعتنا في امر السياسة التي تحتمل الاختلاف وتعدد الاراء والافكار؟
اعرف ان الاخوان اليوم تحت النيران، نيران الابناء ونيران الخصوم ايضا، وأعرف ايضا ان صدور بعضهم ضاقت على ما يمكن ان نقدمه من نقد او حتى نصيحة، ولكنني اشعر بالمرارة – إي والله – من هذا الذي يحدث داخل البيت الاخواني، وأتمنى على العقلاء فيه ان يخرجوا عن صمتهم وترددهم وخوفهم، وأن يبادروا الى تنظيف هذه التربة مما خرج منها من اشواك واحساك، وان يعيدوها الى سكتها الاولى: سكة الدعوة التي اختطفتها السياسية بلا مقابل، وسكة السياسة التي لوثتها الصراعات على المغانم ، واذا كان لسان حالهم يقول: اكفنا يا رب شرور ابنائنا فنحن كفيلون بأعدائنا فلا املك الا ان ادعو الله ان يستجيب. قولوا : ان شاء الله..!!